انطفأ الصديق منوال يونس، انطفأ ذلك الضوء الذي كان يشعّ علماً وثقافة وأخلاقاً على مدى الوطن.
هاجر وغرف علماً وكدّ عملاً، وعاد شاباً الى لبنان ليخوض غمار السياسة، محاولاً أن يضفي عنصر تجديد وحداثة على العمل السياسي والشأن العام.
عرفته منافساً سياسياً شريفاً كما عرفته رجل فكر وعلم وإنساناً مثقفاً.
تواجهنا في بلدتنا تنورين وفي قضاء البترون. كان له أسلوبه الخاص ومقاربته المختلفة عن توجهي ونهجي في تعاطي النيابة وشؤون الناس.
كان تنافسنا طبيعياً ومشروعاً ولائقاً، ولم ينحدر يوماً الى الدرك الذي نشهده اليوم في العمل السياسي وفي التخاطب بين المتنافسين. إلا أنني كنت أحترم على الدوام كِبَره وتعاليه. استمررنا على خطّي نقيض سنين طويلة بحكم مواقفنا السياسية المتباعدة التي فرضتها الجغرافيا السياسية وطبيعة الصراع الذي كان يعصف بالبلاد خلال حقبة أليمة ومليئة بالعواصف.
إلا أنه حافظ دوماً على مستوى راق في التعبير عن مواقفه واقتناعاته واختلافه في الرأي، لم ينزل الى مستوى الخلافات التقليدية المحلية الضيّقة ولم يسمح للموروثات بأن تسيطر على عقله أو على أدائه. بل على النقيض من ذلك، كنا جبهة واحدة في وجه التطرّف والعنف ومنع الاشتباك بين المحازبين، مما سمح لنا مع أصحاب الرأي والحكمة بتجنيب بلدتنا أي صدام يوم عمّت الصدامات كل البلدات وكل لبنان.
مع مرور الزمن ونضج التجربة بتّ أشعر أكثر فأكثر بقرب هذا الرجل مني وبقربي من أفكاره الحداثية وسلوكه، إذ أننا لم نختلف يوماً حول مفهوم الدولة وسيادة هذه الدولة، وحول أهمية بناء المؤسسات وضرورة الاصلاح السياسي للنظام، وكيفية ممارسة السلطة واحترام اللعبة الديموقراطية، والأهم احترام الآخر ورأيه.
كان منوال يونس رجل دولة وحداثة بكل معنى الكلمة، ما كان يؤهله لتحقيق أكثر ما سمحت به الظروف، وأن يتبوأ أرقى المناصب.
يرحل منوال يونس رجل الأخلاق النبيلة والثقافة الموسوعية، رجل العقل النيّر. وبرحيله، أخسر صديقاً تشرّفت بصداقته، إلا أن تعزيتنا أنه رحل تاركاً عائلة كريمة تحمل مبادئه ورقيه وأخلاقه.
أشارك لبنان وقضاء البترون وتنورين الحزن على فقد كبير من رجالاتنا، والى عائلته وجميع عارفيه أقدم تعازيّ الحارة وأنحني باحترام أمام روحه مودّعاً.