أما وقد أقفل ملف الدعوى المقامة من النائب هاني قبيسي (ظاهراً) والرئيس نبيه بري (ضمناً) على رئيس جمعية المصارف فرنسوا باسيل، بحجة إهانة النواب واتهامهم بالسرقة، فإن ما يجب التوقف عنده، بل رفضه، هو إقفال الملف بهذه الطريقة المهينة، أي بالرضى التام لرئيس المجلس، بعد اعتذار باسيل، في لقاءات جماهيرية، ودعم من البطريرك الماروني استدعى تجنب الفخ الطائفي والمسارعة الى إسقاط الدعوى. لعله كان من الأجدى لمصلحة اللبنانيين لو مضى باسيل في موقفه، لا للاتهام العشوائي، بل دفعاً لمزيد من الشفافية الغائبة كلياً عن حسابات المسؤولين والتي يؤدي غيابها الى إطلاق التهم وإثارة الشكوك.
والواقع ان مظاهر الغنى الفاحش ظهرت على كثيرين بعد توليهم مسؤولياتهم العامة، ولم يجرؤ مجلس النواب، حتى تاريخه، على إقرار مشروع قانون رفع السرية المصرفية عن كل من يعمل في الشأن العام، بدءاً من الرؤساء الى آخر موظف في الدولة.
ولعل الراحل ريمون اده أدرك ان مصير مشروعه لرفع السرية المصرفية هو أدراج المجلس، اذ لم يجرؤ نائب على طلب تحريك مشروع القانون وعرضه على الهيئة العامة للمجلس، رغم تأكيد معظمهم انهم مع محاربة الفساد والاصلاح والتغيير، الى ما هنالك من عناوين جاذبة للاصوات الانتخابية فقط.
في العام 2012 خرق النائب محمد قباني هذا الجدار، فوقع لدى الكاتب بالعدل كتاباً موجهاً الى كل المصارف، يطلب فيه رفع السرية عن حساباته وحسابات زوجته.
وكان سبقه الى ذلك النائب حسن الرفاعي (عام 1990) اثر عودته من الطائف بعدما اتهم النواب بقبض رشاوى لقاء توقيعهم على وثيقة الوفاق الوطني. وخاطب الرفاعي النيابة العامة التنفيذية بطلب رفع السرية المصرفية عنه وعن زوجته، وقال ان لديهما حسابين مصرفيين في بنك بيروت والبلاد العربية.
وذكّر الرفاعي النيابة العامة بأن ثمة قانوناً صدر عام 1953 في موضوع الثراء غير المشروع بعنوان “من أين لك هذا؟”.
يعلم اللبنانيون علم اليقين، ان تطبيق “من أين لك هذا؟” مستحيل، بل ضرب من الخيال، اذ ان المال المستورد السياسي والحزبي، وربما تبييض الأموال، واستخدام النفوذ لمآرب شخصية، هي الأمور السائدة، عدا عن التهرب من الضرائب والرسوم.
وإذا كانت المحاسبة عما مضى معقدة، أفليس من الضروري في أي قانون انتخابي جديد، عدم الاكتفاء بتوزيع الدوائر، بل وضع معايير تتيح للأفضل الوصول، وسؤال المرشح عن أمواله ومصدرها، والكشف عن حساباته المصرفية.
لكن الاحلام شيء، والواقع شيء آخر، اذ اعود الى سؤال النائب نعمة الله ابي نصر العام الماضي رداً على خطوة قباني اذ قال: “هل ان رفع السرية المصرفية يشمل ايضاً الحسابات لدى مصارف سويسرا؟” . لعل جوابه يؤكد ان المسؤولين نقلوا اموالهم الى الخارج حتى لا يفتضح أمرهم في الداخل.