IMLebanon

من «الطبقة السياسية» إلى «الطبقة ـ الطائفة»!

 

يبدو أن «توافقجية» 8 آذار وعلى رأسهم حزب القمصان السود «التوافقي» «من الأبد إلى الأبد» يحاولون أن ينقلوا «أزمة» انتخاب رئيس الجمهورية إلى «توافقية ميثاقية» أو «توافقيات ميثاقية» أخرى مُدعمة بروح حوار «مليء» و»مكتظ وفائض بالنيات الحسنة وبالإرادات التي تنضح بالتعلق بدستور هذا البلد ومصلحته، ومستقبلة ومصير مؤسساته. قبل أيام شنّفت آذاننا تصاريح «تنذر» (وهم أهل النُذر والنذير والنذور) بتقديم الانتخابات النيابية على الانتخابات الرئاسية. أملاً في نتائج تغير المعطيات السياسية الراهنة، ليتم «انتخاب رئيس جمهوري» بأكثرية مطلقة إذا أمنوا أكثرية مطلقة. يعني أن «التمديديين» الذين ساهموا بالتمديد للمجلس النيابي واعترضوا على احتمالات التمديد لرئيس الجمهورية ميشال سليمان (الذي صرح ونصدقه بأنه لم يسعَ لتمديد ولايته) ها هم اليوم لم يعودوا تمديديين… بل ربما مُتمددون! والذي أيدوا التمديد لإميل لحود بالطريقة التي يعرفها الجميع عند أهل الوصايات والصدر الأعظم والظهر الأكبر… استنكفوا عن التمديد للرئيس سليمان، لأنهم رأوا ضرورة ملحة لتجديد «البيعة السورية للحود باعتباره «رئيساً قوياً» وكما قال الوزير سليمان الصغير عنه «رئيساً شجاعاً»!… وها هم متمسكون بفكرة الرئيس القوي غير الآنف الذكر ذي المواصفات التي تسبغها عليه وصاية حزب السلاح في لبنان. كانوا يبحثون إذاً عن رئيس «قوي» مسيحياً! واليوم يبحثون عن رئيس قوي «إيرانياً»! انتقلت المعادلة. ولما فشلوا… نقلوا وسائط التهديد والضغط إلى أمكنة أخرى.

إلى مجلس النواب إذاً. أغلقوه أكثر مما «فتحوه» وعطّلوه أكثر مما شغلّوه! فلماذا لا تتطور الأساليب من التعطيل، إلى الحل… فإلى انتخابات نيابية جديدة. ولكن هذه «الخطة» لها محاذير عديدة. فلماذا لا يعطلون عندها الانتخابات النيابية التي طالبوا بها. باعتبار هذا المجلس يمثل «الطبقة السياسية» الموجودة. كما قال السيد حسن نصرالله، والذي استثنى حزبه «الاستثنائي» الأثيري الملائكي، من هذه الطبقة السياسية «غير الاستثنائية» وإذا عدنا إلى الوراء نجد أن الحزب ومن هذه «النظرية الفوقية» نظرة «الأولياء « والقديسين إلى الواقع السياسي قد حاصر حكومة السنيورة.. في الماضي لأنها تمثل الطبقة السياسية…! ولأنه خارج هذه الطبقة بنوابه ووزرائه وسلاحه وانتمائه، فمن الطبيعي أن يدمر كل ما يمثل أو تمثله هذه «الطبقة». من مجلس النواب. إلى الحكومة إلى انقلاب القمصان السود على حكومة «الطبقة السياسية»، فإلى رفض الحوار لأنه «يجمعهم» بهذه الطبقة السياسية» أيديولوجيا؟ لم لا! وبعد أقول زمن الأيديولوجيا؟ لمً لا!

وبعد بوق النذائر الذي أطلقه بعض 8 آذار. لتقديم الانتخابات النيابية على الرئاسية، ها هم وبترصد «ميثاقي» قل نظيره، يوجهون «رماحهم» (من الجاهلية الأولى لا الثانية) إلى الحكومة الراهنة، ويهددون بالانسحاب منها، كما انسحبوا من جلسة التصويت الرئاسية ليفقدوها «ميثاقيتها» تماماً كما فعلوا مع حكومة السنيورة! وعندها، تُصاب «الطبقة السياسية» بمن فيها بمقتل المؤسسات. تفرط الحكومة. يُحل المجلس. تؤجل انتخابات الرئاسة. عظيم. وعبارة «الطبقة السياسية» التي قد تحمل مجازات، الفاسدة، أو المارقة، أو الساقطة، آتية من قاموس الإنقلابيين والطغاة. فهتلر استغل الأزمة الاقتصادية الالمانية في نهاية العشرينات والثلاثينات ليصفي «الطبقة الفاسدة» أي ليحل محلها، يقلبها وليتربع وحده على عرش الملائكة، والاطهار. وهكذا فعل ستالين. وماوتسي تونغ قبل ثورته الثقافية وبعدها. وهذا ما فعله صدام حسين وحافظ الأسد والقذافي… الذين أرادوا في انقلاباتهم الدموية «خلق» انسان عربي جديد»(!) و«جماهير عربية جديدة» بأيدي سوبرمانات ومخلصين ومنقذين من «الضلال» جدد وإذا ربطنا كلام السيد حسن عن «الطبقة السياسية» (منزهاً حزبه الطاهر النقي!) بمجمل ممارساته منذ عودته من المقاومة (انتقلت إلى دار البقاء!) إلى الحياة السياسية، وتتلخص انه يريد في النهاية حلاً راديكالياً لهذا البلد. لنظامه. وكيانه. ومؤسساته وناسه وأحزابه وطوائفه. فهي تحتاج إلى تغيير «كياني» واقتلاعي، لأنها ثمرة «طبقة فاسدة» كانت موجودة قبله منذ عشرات السنين وها هو يطل كمنقذ. ونظن ان هذا الاحتقار للمجلس النيابي وموقع رئاسة الجمهورية، وعمليات الانتخاب كافة النيابية، المهنية، والاقتصادية والنقابية (وحتى الطالبية) ما هي سوى عشوائيات من نوافل نظام الطبقة السياسية الماضية والحالية في نظر الحزب الفطين! (وهذا ما فعله ماوتسي تونغ وهتلر!) انسان جديد بمواصفات جديدة. لكن المفارقة ان حزب الله المُتهم باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبعض شهداء 14 آذار وآخرها محاولة اغتيال النائب بطرس حرب انما يجسد في ذلك رفضه واحتقاره لهذه الطبقة السياسية لكن المفارقة المضحكة ان حزب الله كالإخوان المسلمين في مصر يريد أن يغير كل شيء لكي لا يغير شيئاً! فهو «غيّر المعادلة» في الجنوب بتحريره من الاحتلال الاسرائيلي، لا لفعل التحرير الوطني المطلق، بل لتسليم الجنوب إلى احتلال آخر هو إيران. أي غيّر ولم يغيِّر. سقطت فكرة التحرير لأنها كانت أصلاً ذريعة لا هدفاً. فالطبقة السياسية الراهنة لا تستحق أن «تشارك» في التحرير، ولا في الإفادة منه. بل أكثر: الطبقة السياسية بجمهورها وطوائفها هي نفسها تحتاج إلى تغيير. فالمقاومة انتقلت من تحرير الجنوب (وتسليمه إلى ولاية الفقيه)، إلى محاولة تحرير الشعب اللبناني من الشعب اللبناني؛ وتحرير الأرض اللبنانية من الأرض اللبنانية. وتحرير الحدود اللبنانية من الجيش اللبناني. أكثر: حرّر الجنوب المحتل ليُودِعه أيدي «منقذ» العالم خامنئي، «لكنه استنكف عن الدفاع عن حدود لبنان الشمالية لأنها هي حدود سديمية أخرى، لا علاقة لها، بالشعب الذي يريد أن «يهندسه» من جديد وبسلطة الطبقة السياسية الذي يريد أن يغسل أدمغتها بمساحيق الطبقة السياسية الإيرانية. والمنقذ المحلي موجود. هو الحزب. إذاً الطبقة السياسية الإيرانية تحل محل الطبقة السياسية اللبنانية. والحدود اللبنانية ليست لبنانية حتى الآن (بل مجرد منافذ إلى سوريا) بل هي حدود ساقطة، وعلى هذا الأساس يمكن ادراجها في اللاحدود السورية وصولاً إلى إيران. فلماذا إذاً «ندافع» عن حدود شمالية لم تعد حدودنا. وعن شعب يقصف بطائرات النظام السوري وهو لم يعد شعبنا. (لأن شعبنا الحقيقي الأصيل في مكان آخر) وضمن هذه التصورات، لماذا لا نقتلع شيعة لبنان (شيعة جبل عامل) من تاريخهم وانتماءاتهم ووشائجهم ونُحل في أذهانهم «شيعية» مستوردة هي الشيعية الزرادشتية الجذور في ايران، أو الآرية العِرق. فان تكون شيعياً لبنانياً أصلياً، يعني أن تكون مرتهناً للطبقة السياسية. والمنقذ المحلي جاهز بل حتى ان الفكر الشيعي الذي تربى عليه شيعة لبنان، يجب أن يخضع أيضاً «لثورة» فقهية تنقل مرجعيته أولاً من النجف إلى قم. ففي النجف عرب وشيعة عرب ، أما عندنا فيجب ان تنفصل الشيعية عن العروبة وعن اللبنانية وعن كل ما يشكل علاقة بالنظام والسلطة والدولة والمؤسسات. وعلى هذا الأساس رُفع جدار برلين كانتوني جديد في الضواحي أو سور صيني مذهبي ليحمي من أُودع داخله من أمراض الواقع اللبناني والعربي. ونتذكر هنا الميليشيات السابقة من مسيحية وإسلامية عندما رفعت مثل الجدران الكانتونية محاولة «استبدال» وصاية بوصاية واحتلال باحتلال… رافعة أيضاً شعار «لبنان الجديد» والشعب «الجديد» … باعتبار ان كل طائفة تحولت على أيدي هذه الميليشيات إلى «شعب جديد» له حدوده الشرعية وسماؤه الشرعية؛ رداً على لبنان «القديم»: الواحد والعربي والتنوعي مدمرة المؤسسات والجيش وكل شيء.

ففكرة السيد حسن ليست جديدة ومعروفة ومعجونة وباتت ملوكة. فكرة الانسان الجديد كما عرفناها، وكما خبرناها أثناء الحروب والميليشيات وأحزاب الله السابقة، وصولاً إلى الحزب الالهي، هي فكرة عنصرية (نتذكر هتلر وتراتبيات الشعوب والأعراق) قائمة على القتل الفكري والمعنوي والمادي والجغرافي والسياسي والتاريخي! كأن السيد حسن عندما يُحمّل الطبقة السياسية (بأل التعريف) المسؤولية ومستثنياً حزبه منها، فلكي يغير كل شيء تغييراً مستنداً إلى عناصر غير اجتماعية، بل طائفية، يصب في الأفكار الحزبية اللبنانية الميليشيوية، وباليوتوبيات القاطعة الفاصلة، والهويات القاتلة! في مغزى هذه الجملة البسيطة يضع السيد حسن حزبه فوق كل الواقع اللبناني! والعربي! والطائفي والفكري فهو الطبقة السياسية الوحيدة، هو الحزب الواحد الأحد. المنقذ. كما جرى في «الانقلابات» العربية في الخمسينات. إذا عدنا إلى أمراض القرن العشرين، وكنا نود أن يطل حزب الله علينا من القرن الحادي والعشرين لكنه فضل ان تطلع أمامنا تذكارات وصور أبطال «الحزب الواحد» من لينين إلى ستالين، إلى هتلر، إلى تشاوسكو، إلى بينوشيه، إلى موسوليني. ذلك أن مجرد فكرة الحزب الواحد يعني اسقاط كل الطبقة السياسية بلا استثناء. ويعني ذلك العنف والقتل والقمع والسجون والفساد والعسكر والميليشيات والحرس الثوري والحرس الجمهوري… وعندما ينفي السيد حسن «الطبقة الحاكمة» فانه يصبح تعدد الطبقات حتى ضمن الطبقة الواحدة وعندما يستثني نفسه، كأنما يُحّل نفسه كطبقة سياسية منسجمة (وحزب واحد) محل كل الطبقات السياسية والاجتماعية والنقابية ليفرز هو مثلاً جمهوريته ومرشده وجمهوره ونقابته الواحدة وبرلمانه «المنسجم» وحكومته المعينة بلا برلمان كأنه يقدم «أجوبة» ابدية مطلقة لواقع يفترض انه متحول. أو ليس ما حصل في سوريا، والعراق واليمن وتونس… قبل الربيع العربي؟ عندها يحل الحزب محل الطبقة و«الرئيس» (المرشد) محل الشعب، وصولاً إلى «العائلة المقدسة» محل الجمهورية! فالعائلة صارت «طبقة» والغت الطبقات الأخرى، والحزب صار طبقة تابعة لطبقة العائلة… الاختزال المطلق بالقوة يعني تغيير الشعب وعندما يلغى دور الشعب يقع «تغييره» لكي لا يكون شعباً! بل ليكون «شعباً جديداً» لكن من دون ان يتمتع بمواصفات الشعب وحقوقه. وعلى هذا الأساس يكون الطغيان «الصافي». وعلى هذا الأساس يُسقط التاريخ لتحل محله «الأسطورة»! أو لم يُصبح حزب الله اسطورة. وكذلك أحمدي نجاد عندما وصف نفسه مرسلاً من عند الله لإنقاذ العالم. فالفاشية عدو التاريخ، وصديقة الخرافات والأساطير؛ ولهذه فهي مركبة من وقائع افتراضية وانتصارات دائمة وانبعاثات أبدية. فالطاغية لا ينهزم وان انهزم. لأن الاسطورة لا تنهزم. يصبح الطاغية غير موجود بأفعاله وتحل الأسطورة محله! لتفترع الانجازات. ولكي يغذي «اسطورته» يحتاج إلى حروب ولو افتراضية أو وهمية ينتصر فيها! (اتذكر رواية أورويل 1984) ويحتاج إلى أعداء» دائمين ليسجل عليهم انتصاراته ويحتاج إلى «قديسين» وأبطال… حوله ولو كانوا قتلة، أو مجرمين. أو ليس هذا ما شاهدنا على امتداد كل الحروب الماضية عندنا وصولاً إلى اليوم! ولمَ لا يحتاج إلى معجزات تُعزّز هذه «المقامات»: كأن يشارك هذا القديس بسيفه، أو ذاك الولي بحصانه في المعارك وعندما يُحكى عن اسقاط طبقة طبقات سياسية ليحل محلها الفكر الواحد، أو المذهب الواجب أو «الطبقة الواحدة» يتطلب ذلك ربط الأرض بالسماء. بالخرافات والمعجزات وصولاً إلى «اختيار» الله لهذه الطبقة. ألم يتشوق الاسرائيليون بادعائهم «انه شعب الله المختار» فلمً، لا يكون الحزب هو حزب الله «المختار». تصدر الفتاوى والأحكام والنواهي باسمه! أثناء الانقسامات الطائفية الجغرافية والاجتماعية في زمن الميليشيات ظهرت نظرية «غريبة» ابتكرها بعض اليساريين «الوطنيين» وهي نظرية الطبقة الطائفة، والتي تحل محل المجتمع. ويمكن ربط هذه النظرية «خطأ» بمقولة غرامشي عن «الكتلة التاريخية» أو عن «يهودية اسرائيل» أو عن شيعية إيران، فيصبح الطبقة الطائفة، الطبقة الأمة، أو الطائفة الأمة! وعندها يقسم العباد والأرض تقسيماً طائفياً: هنا الشارع الوطني بأرصفته ودجاجه وأشجاره وسهوله، وهناك الشارع غير الوطني. على هذا الأساس تنضح هذه النظرية بالعنصرية. هنا الانسان «الوطني الجديد» ذو المشروع الوطني، وهنا الانسان «غير الوطني» العميل الرجعي، وفي ذلك يعدم ما يسمى الفروقات والاختلافات حتى داخل الطبقة الواحدة: بحيث وبدلاً من أن يصبح «كتلة تاريخية» مفتوحة تصبح «كتلة لا تاريخية مغلقة» لكن كل ذلك بات جزءاً من الماضي: فالشيوعيون انفسهم (الشيوعية الأوروبية في الستينات اسقطت فكرة دكتاتورية البروليتاريا وكذلك ديكتاتورية الحزب الواحد… ثم سقط الاتحاد السوياتي كله!) .الفكر الطبقي انتهى اليوم، في ظل التحولات السياسية وتراجع الهيمنة الأيديولوجية (حتى في الثقافة: الواقعية الاشتراكية الستالينية الجدانوفية مثلاً). لكن عندنا، وبدلاً من استغلال هذه التغيرات اختار الجميع مقاربة: الطبقة الطائفة، والصراع الطائفي بدلاً من الصراع السياسي.

السيد حسن نصرالله عاد إلى تلك العشوائيات القديمة، بعودته إلى فكرة الطبقة السياسية، عاد مئة عام إلى الوراء. لا ليحيي تنوعات المكونات والأفكار، بل ليستخدم هذه المصطلحات «الطبقية» تأكيداً على مقولة الطبقة الطائفة! ولأنه يسيطر بالسلاح والمال على «طائفته» فلمَ لا تكون البديل من طبقة سياسية لم تعد موجودة بالمفهوم القديم، ولا الجديد، في زمن وسائل التواصل والانفتاح وزوال حتى فكرة «العمال» والفلاحين!

يعود، كأنه، ومتمسكاً بهذه «الفكرة « النافلة ليستخدم الطائفة بديلاً من كل شيء. بديلاً من اللاشيء. وهذا اللاشيء هو سقوط فكرته أصلاً. فنظرية الطائفة الطبقة (والصراع المذهبي) سقطت قبل الربيع العربي ففكرته التي تنزه «طبقة سياسية مذهبية عن سائر المكونات السياسية… هي عودة إلى تلك الفكرة التي دمرت لبنان وحولته كانتونات!

أو ليس كانتون الحزب تعبيراً حياً عن سقوط زمن الطائفة الملكة أو طائفة الامتيازات، إزاء «الطبقة السياسية»… الراهنة!