دخل لبنان مطلع العام الحالي تهدئة محلية بضمانات اقليمية ودولية أدت الى تبريد الساحة الداخلية، وسهّلت تشكيل حكومة “ربط نزاع” بين الأضداد، وأرخت بمناخات “تسووية” على أصعدة عدة على قاعدة تراجع حدة المطالبات بخروج “حزب الله” من سوريا، فضلاً عن طرح موضوع سلاحه بنبرة عالية في مقابل قيام الحزب المذكور بجملة خطوات أمنية، ومؤسسية (الدولة) يُقال إنها أراحت البلاد من دون أن تلغي أساس المشكلة التي يمثلها وجود حزب مسلح ومرتبط بأجندة خارجية يعتبرها كثيرون فئوية وفتنوية في المدى العربي المشرقي. ولعل هذه “التهدئة” التي قامت عملياً على إدارة الظهر للمشكلة الحقيقية في البلاد منحت اللبنانيين شيئاً من الأمل في مرحلة هادئة يمكن أن تفتح الباب على “تسوية” لاحقة وفق معادلة “تنظيم الخلاف” العزيزة على قلب النائب وليد جنبلاط. والمعادلة ذكية وواقعية لكنها لا تفعل سوى تأجيل الإنفجار في لبنان الى مرحلة لاحقة.
عملياً هذا هو الواقع الحالي في لبنان. أتى ذلك في مرحلة جرى تجنيب النظام في سوريا السقوط بقرار دولي شامل في انتظار تسليم النظام اسلحته الكيميائية، وعلى قاعدة أن القادم مجهول.
لكن حصل ما لم يكن في الحسبان: ففي حين كانت الأنظار مشدودة الى البركان السوري، انفجر بركان آخر أكثر خطورة. انفجر العراق وتشظى. وكان واضحاً أن انهيار سيطرة حكومة نوري المالكي الإيرانية الهوى في مناطق تصل مساحتها الى أكثر من ربع العراق من الموصل الى أبواب العاصمة بغداد، عائد في أسبابه العميقة الى ما يتعدى أزمة الحكم والحاكمية في بغداد نفسها، أي الى انفجار الحرب السنية – الشيعية على مدى انتشار الإسلام.
بالطبع ما كان العراق لينفجر في هذا الشكل، وهذه الحدة الدموية لولا الوصاية الإيرانية على العراق التي أشعرت جزءاً كبيراً من المجتمع ولا سيما السني بأنه مستهدف في وجوده ومصيره مباشرة.
في لبنان تبقى “التهدئة” التي تم التوافق حولها مطلع السنة الحالية قائمة، وإن خرقها “حزب الله” بإسقاطه بلدة الطفيل الحدودية رغم الاتفاق المعقود مع وزير الداخلية نهاد المشنوق علناً على الشاشات في حضور كبير المسؤولين الأمنيين للحزب! ثم أن شيئاً ما مريباً يحصل ناحية بلدة عرسال التي يعرف الجميع أن “حزب الله” وضع لنفسه هدف إسقاطها عاجلاً أم آجلاً بمعونة الجيش أو بدونها!
بركان العراق متصل ببركان سوريا، والحدود الموروثة عن “سايكس بيكو” تناثرت أشلاء، ولبنان لن يكون في مأمن من لهيب البركانين، خصوصاً أن “حزب الله” يمضي قدماً في استخدام بلاد الأرز قاعدة مركزية لوظيفته الأمنية – العسكرية في سوريا وربما لاحقاً في العراق. وسيكون لهذا الاستخدام ثمن على الحزب، ولكنه سيكون أكبر على جمهوره المخدّر.