IMLebanon

من الكهرباء إلى السلسلة إلى ما بعد الإفادات

من الكهرباء إلى السلسلة إلى ما بعد الإفادات

أسئلة في الوسط الشيعي عن جدوى التحالف مع التيّار العوني؟

من الثابت أن حنا غريب، لم يطمح يوماً من الأيام ليلعب دور ليش فاليسا، العامل البولندي الشهير، الذي حرّك النقابات التي أسسها الشيوعيون، ليُطيح بسلطة الحزب الحاكم، وليُصبح في وقت من الأوقات رئيساً للدولة الديمقراطية، التي فتحت الباب لكر سلسلة إنهيار النظم الشيوعية والإشتراكية في أوروبا الشرقية ومعها «الاتحاد السوفياتي العظيم»!

ومن المؤكَّد أن نعمة محفوض، ليس هو البابا الكاثوليكي، الذي حرّك مشاعر الملايين، ونجح في تأليب الرأي العام، لمصلحة الليبرالية الأوروبية، وحقوق الإنسان، إلى آخر المعزوفة..

على ساحة الحركة النقابية، برز محمود حيدر، هذا الموظف المغمور، يحمل لواء الوظيفة العامة، المهدّدة بالانقراض، مع دخول لبنان مرحلة جديدة من تقاسم السلطة والنفوذ، بعد الطائف، كان من أخطر تداعيات هذه المرحلة الإطاحة ببنى الإدارة ومؤسسات الرقابة، وتوجيه طعنه للدستور وتكافؤ الفرص والمساعدات، من خلال «الدسّ العشوائي» للشبان الساعين وراء لقمة العيش، من باب الولاء السياسي والحزبي..

لا حاجة لتعداد أولئك الرجال النقابيين، من نزيه الجباوي الى محمود حيدر وسواهم، الذين ثبتوا على مواقفهم، خارج الاصطفاف المذهبي والطائفي، وحتى الحزبي..

لكن قدر هيئة التنسيق النقابية، للمعلمين وموظفي الإدارة العامة، فرض تحديات من نوع آخر، تتعلّق بالصمود الاجتماعي والمعيشي لأولئك الذين يتقاضون رواتب وأجور، في بلد لا ينعم بالرخاء الاقتصادي، كما كانت حاله في الستينات، أو بعد اتفاق الطائف ومجيء رفيق الحريري إلى السلطة بعد العام 1992..

في غمرة تحديات من نوع إعادة تركيب السلطة السياسية، بدءاً من انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إلى إجراء الانتخابات النيابية وتأليف حكومة جديدة، وتحديات إقليمية من نوع، ربما إعادة بناء الدول على أسس دينية، إقتصادية، إجتماعية، على نحو ما عرفته أوروبا بعد ثورة مارتن لوثر، وما تلاها من تصدعات في بنى الكنيسة الكاثوليكية، وانهيار الإمبراطوريات الوراثية في أوروبا القديمة..

في غمرة التحديات هذه، ركبت هيئة التنسيق النقابية رأسها كما يقولون، وقرر وزير التربية، الآتي من مداخل متعددة، تجمع الأكاديمي، كما يُقال، مع الحزبي، العلماني، إلى الحزبي الطائفي، ومن التيار الوطني الحرّ، ليواجه الهيئة، ليس من باب إقرار السلسلة، بل من باب تصفية الحسابات، وتحميل حنا غريب، والدائرة الضيّقة التي تقف وراءه من سياسيين واقتصاديين وأصحاب خبرة في التنظيم النقابي، والمعارك المطلبية مسؤولية ما آلت إليه الأمور..

وقعت الواقعة، كما هو معروف، وذهب وزير التربية، مدعوماً من قرار مجلس الوزراء، في جلستين، إلى الإعلان عن إعطاء إفادات ترشيح، تُعلن جميع حملتها فائزون بالشهادات الرسمية، فلا تصحيح، ولا مَنْ يصححون، ولا أوراق بيد الهيئة، ولا مراعاة لقيمة الشهادة الرسمية، كسبيل إلى عبور مرحلة التعليم العالي، والحلقات العلمية، والمعرفية، والتخصصية المرتبطة بها.

توزعت المعالجات أو المتابعات، بعد 16 آب 2014، وهو تاريخ سيحفظه العاملون في حقل التربية والتعليم على أنه تاريخ إرتدادي، تراجعي، تهالكي، لا صلة له، لا بالتقدّم ولا بالتطوّر، ويشكل علامة من علامات العجز واللااستقرار في حياة لبنان السياسية، ومسيرته بعد الطائف، من بلد عاد إلى استعادة دوره، فإذا بالإخفاق يضرب سمعته، ويُعيده أشواطاً إلى الوراء.. توزعت المعالجات بين مساعٍ لاستصدار قانون في مجلس النواب ينظم هذه العملية، وحملة تعبئة في صفوف هيئة التنسيق للذهاب إلى فصل جديد من فصول المواجهة، يتصل أساساً بمسائل تتعدّى السلسلة إلى ما بعد أبعد تأثير النقابات في الحياة الوطنية، دفاعاً عن مصالح الفئات الإجتماعية التي تمثّلها..

في الوقت، الذي كانت فيه السيدة بهية الحريري رئيسة لجنة التربية النيابية في البرلمان، الذي يبحث عن آلية تُطيل عمره إلى نهاية ولايته «المرسومة والمشؤومة»، تبحث مع الرئيس نبيه بري في جلسة تشرّع إعطاء الإفادات، التي دخلت حيّز التنفيذ، قبل عقد الجلسة، ومناقشة مشروع القانون وصدوره ونشره، وربما الطعن به أمام المجلس الدستوري!؟ كانت هيئة التنسيق تعقد اجتماعاً تقويمياً، ناقشت فيه قرار الوزير بالذهاب إلى الإفادات وبصرف النظر عن النقاش الحاد، والمعقّد داخل الجلسة الطويلة للهيئة، فإن مرحلة صعبة من الاشتباك في البلاد، تحوّلت فيها الحركة المطلبية للمعلمين والموظفين إلى عناصر تجاذب جديد، ليس على خلفية مالية وحسب، بل أيضاً على خلفية سياسية..

آثرت الطبقة السياسية الحاكمة الإتفاق على السلسلة، وليس الإتفاق من أجل السلسلة، وتبيّن للرأي العام أن «كلّه بحبك يهون» عندما يتعلّق الأمر بمصالح هذه الطبقة. ولا ينفع بالتالي أن يربط الرئيس بري بين السير بالتمديد للمجلس النيابي، والإتفاق على إقرار السلسلة.

انتزعت الحكومة من يد «هيئة التنسيقً ورقة الامتحانات، التي سبق لها واستخدمتها في انتزاع مطالب سابقة. المحاولة هذه المرّة، أخفقت، وآثر «التجمّع السياسي الحاكم» مواجهة النقابات الوظيفية بنزع استحقاق الشهادات، وكانت الإفادات طريقاً إلى ترك الحركة النقابية تتخبّط بأوضاعها، فلا هي سهّلت إعطاء الشهادات، ولا هي حقّقت شيئاً من المطالب.

يجب الإعتراف أن الجمهور الموظف، المرتبط بحركة «أمل» تحديداً، وسائر الأحزاب الممثلة للطوائف، أكثر التصاقاً «بهيئة التنسيق». ولا حاجة للكلام على موقف حزب الله، المعروف بدعم مطالب الموظفين،. ولكن يجب الإعتراف أيضاً، أن ثمّة «أسئلة تعلو وتخفت» داخل الجمهور الشيعي تحديداً، حول جدوى العلاقة التحالفية مع «التيار العوني»، في ضوء اصطدام الجمهور الذي يقف وراء المطالب بالكهرباء مع وزير ينتمي الى هذا التيار، وفي التربية، مع وزير ينتمي إلى هذا التيار أيضاً.

لا ينفع الفصل بين الخيارات الاستراتيجية والمطالب الشعبية، لتبرير هذا الموقف أو ذاك، وإذا كانت قواعد الحزب التقدمي الاشتراكي تعيش حالة إرباك على المستوى النقابي – السياسي، فإن قواعد «الثنائي الشيعي» أكثر صراحة في التعبير عن دعمها لهيئة التنسيق، ولا همّ بالتالي إذا كان على رأسها حنا غريب أو محمود حيدر أو نعمة محفوض..

بدءاً من هذا الأسبوع، ستتوضح أكثر فأكثر طبيعة الإشتباك القائم بين السلطة والنقابات، فيما لعبة «البازارات السياسية» دخلت إلى خيارات مريرة، إلّا أنها تقف عند مداخل «مصالح الطبقة السياسية» وأولوية الحفاظ عليها إلى ما شاء الله؟!