كان منتظراً أن يعلن تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” الخلافة الإسلامية، وان “ينتصر” بإزالة الحدود بين البلدين، وأن يبايع أبو بكر البغدادي “خليفة على المسلمين”. فالالتباس في نشأته ودوره، في الحرب في سوريا والعراق، وأعمال التفظيع والإجرام، وافتعال الصدامات مع الثورة السورية، كلها امور وشت، يومياً، بدور في تنفيذ استراتيجية فارسية أساسا، وإقليمية عموما، ضد هوية المنطقة.
إعلان الخلافة، وإلغاء الحدود، المصحوبان بالسمعة السيئة، يستدعيان، حكما، استنفارا دوليا، تريده ايران فرصة اتفاق مع واشنطن، في بند طالما أرّق الأخيرة منذ رونالد ريغان، وهو محاربة الارهاب. كيف لا و”داعش” مارسته في وجهين: التنكيل بالافراد، ثم الاعتداء على الحدود، التي لا ترغب واشنطن في المسّ بها حاليا، مهما اصدرت مراكز الابحاث والدراسات، من تصورات وسيناريوات، إلا ما يفترضه “تجميل” موضعي.
ليس في ذلك نظرية “المؤامرة”، بل هو واقع تآمري، وعاد كثيرون منذ كشْف أطماع الثورة الايرانية في الجوار وقيادة العالم الاسلامي، وكان مؤشره الابرز تظاهرة الحجاج الايرانيين في مكة سنة 1987، بشعار البراءة من المشركين، و”ازاحة” مرجعية النجف الدينية العراقية العريقة، بعدما كان صدام حسين كتم انفاس فقهائها.
من كان ينتظر إعلان الخلافة، وإزالة الحدود، لم يكن سنّة العالم العربي، وغير العربي، بل أهل ولاية الفقيه في طهران، الذين مهدت “أصابعهم” المخابراتية لهذه “الكذبة” لتبرير تدخل سافر في الداخل العراقي، بعد المقنّع الراهن، وتعميم صفة الإرهاب على كل الاعتراض العراقي على ديكتاتورية حليفها المالكي، واستنفار واشنطن وغيرها، الى تحالف دولي يواجهه.
كل ذلك، بينما منطق الحل السياسي يقول بأن الخروج من الازمة يسهل إذا ألزمت طهران حليفها المالكي افساح المجال لمرشح آخر، ليشكل حكومة متوازنة ترضي الجميع، تحديدا السنّة، الذين تزعم “داعش” القتال باسمهم، وتتعمد طهران تعميم دمويتها عليهم جميعا، وبلا تمييز، لتبرير تدخلها.
لكن هل “داعش” بهذا الحجم الذي يقدمها به الاعلام “المغذى” محليا ودوليا، بالنفط او بالاستغباء الايراني؟
تقول الارقام الغربية، لاسيما الاميركية، إن عدد مقاتلي “داعش” لا يربو على الـ7 آلاف، في أعلى تقدير، فمن أين لها هذه العظمة القتالية المدعاة على امتداد الاراضي العراقية والسورية؟
كشف الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982، ان عدد المقاتلين الفلسطينيين الذين رحلوا، لا يتعدى الـ6 آلاف، حكمت قيادتهم بهم، جزءا كبيرا من لبنان، وتحكمت بحياة الجزء الآخر. فمن أين كانت لها القدرة؟
من تواطؤ انظمة الاقليم، جميعاً، ومن التفاف شعبي حول القضية الفلسطينية، ومؤمنين بعدالتها، ومن نفعية شخصية حركت انتهازيين وطفيليين.
“داعش” ليست بعيدة عن تواطؤ الممانعة، وتوق الوطنيين الى سلطة ديموقراطية، وجهالة العوام، وجوع الانتهازيين، والايمان الاعمى بعودة الخلافة، ردا على الولي الفقيه، ولو بفارق 25 سنة