الحدث اليوم في الحرب النوعية بين المقاومة الفلسطينيّة وإسرائيل، لكنّ رقعة الشطرنج الإقليمية غير منفصلة بعضها عن بعض، من دمشق الى بغداد الى صعدة وصنعاء الى غزة وتل أبيب… المعركة في أوجّها وشخصية الإقليم ومستقبله ينحتان بالحديد والنار.
الأميركيون حذّروا نتنياهو من الدخول البرّي الى قطاع غزة
لا ينفصل العدوان الاسرائيلي على غزة وردّ المقاومة العنيف عن النزاع المتواصل في المنطقة منذ ثلاثة أعوام. ثمّة مواجهة متسلسلة انطلقت من سوريا عام 2011، وكانت وجهتها تغيير التوازنات والدفع بالمنطقة نحو تحقيق المشروع الأميركي – الإسرائيلي – الخليجي.
واجَه «محور المقاومة» بالتنسيق مع الاصدقاء (روسيا والصين)، الحرب في دمشق، وجاءه الرد من الموصل والأنبار، وهُدِّدت بغداد وكربلاء والبصرة. كان لا بدّ من ردٍّ قوي على «الانقلاب الداعشي» في العراق. وصل «انصار الله» الحوثيّون الى حدود صنعاء في اليمن، وأصبحت اسرائيل كلها تحت تهديد صواريخ المقاومة من «النهر الى البحر».
إستطاعت المقاومة الفلسطينية الصمود، وقدمت أداءً قتالياً متميّزاً. وجَدت اسرائيل نفسها في ورطة، فالدخول البرّي الى غزة مغامرة مكلفة، والاكتفاء بالقصف البرّي والجوي والبحري لم يستطع إيقاف صواريخ المقاومة.
أصبحت اسرائيل كلها تحت النار، وبعد محاولة قلب الطاولة في وجه إيران وسوريا والمقاومة انطلاقاً من دمشق وبغداد، كان القرار بأن يكون الردّ في فلسطين، وأن يُقال للأميركي قبل غيره إنّ اسرائيل لن تظلّ طويلاً خارج «دائرة النار»، وانّ الدفع بالمنطقة العربية والاسلامية نحو الفوضى سيقابله تهديد أمن اسرائيل، وأمن الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة.
منذ بداية السنة الحالية، وبعد الإنجازات العسكرية والسياسية في سوريا، بدأ التفكير في طريقة إجبار واشنطن على الاعتراف بالوقائع السورية الجديدة، وما يترتّب عليها من مواقف وسلوكيات اقليمية ودولية. كان ثمّة رأي واضح بأنّ الطَّرق على «رأس اسرائيل»، وتهديد السعودية من الجنوب، سيَدفعان الأميركيّين الى التعامل الواقعي مع نتائج المعركة في سوريا.
في 3 حزيران 2014، بدا أنّ «محور المقاومة» يتشكَّل مجدداً من طهران الى بيروت مروراً ببغداد ودمشق. في موازاة ذلك كان التفاهم الايراني – الدولي على الملف النووي يتقدَّم. فجأة سقطت الموصل وكركوك، وهُدِّدت بغداد، وحاولت الولايات المتحدة فرض وقائع جديدة على الإيرانيّين تجعلهم يعيدون رسم أولويّاتهم وخططهم.
في الاثناء، تصاعدت الاحداث في فلسطين. شرارة خطف المستوطنين، ومقتل الفتى الفلسطيني محمد ابو خضير فتحت جبهة جديدة. وبعد عشرة أيام من المواجهة والعدوان على قطاع غزة، تستنجد اسرائيل بالهدنة، فيما ترفض المقاومة الفلسطينية المبادرة المصرية وتضع شروطها العشرة، والأميركيون يحذّرون رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من الدخول البرّي الى قطاع غزة!
الفلسطينيون لن يوافقوا على وقف إطلاق النار إلّا بشروط جديدة، وقواعد لعبة جديدة. المكتسبات الفلسطينية تحقّقت في الميدان. وبعد انقضاء هذه الحرب لن تكون الامور كما كانت عليه قبلها. اسرائيل وواشنطن ليستا في أفضل أحوالهما، والوقائع التي ترتسم في المنطقة ليست لمصلحتهما. مصر نفسها لن تكون الحليف الذي كانته أيّام حسني مبارك، والمصالحة الفلسطينية بدأت في السياسة وتأكّدت في الميدان.
المشهد واضح. لا شيء سيوقف المعركة في فلسطين وتساقط الصواريخ على كل اسرائيل، سوى تفاهم سياسي أميركي – إيراني حول كلّ الملفات وعلى رأسها ملف مكافحة الارهاب في كل من العراق وسوريا.
عندما نسمع عن انفراج في فلسطين، علينا التطلّع الى ما بعد هذا الانفراج ونتائجه على المنطقة كلها. لا يحتاج «حزب الله» إلى التدخل ولن يتدخل. الفلسطينيون أصبحوا يعتمدون على الذات حتى في تصنيع بعض الصواريخ والطائرات الصغيرة بعدما اكتسبوا الخبرات والدعم والتقنية من ايران وسوريا.
ما تشهده فلسطين اليوم ليس كغيره من المعارك. عندما تقصف تل ابيب، ويُجبر سكانها على النوم في الملاجئ لعشرة ايام، يعني أنّ شيئاً جوهرياً تغيَّر حولنا… إنّه الربيع الفلسطيني، وبداية مرحلة جديدة من مراحل النزاع الطويل.
قال احد الديبلوماسيين الإيرانيين لصديقه اللبناني الذي سأله عن الحوار الاميركي – الايراني، وتداعياته على موقف ايران من القضية الفلسطينية: «لا تفاهمات دائمة بين طهران وواشنطن طالما أنّ الاخيرة تدعم اسرائيل بهذا الشكل الفاضح والمُنحاز… قد نعقد تفاهمات مرحلية حول ملفات حيويّة للطرفين… لكن لا تفاهم دائماً قبل إيجاد حلٍّ جذري وعادل للقضية الفلسطينية.