يوم الثلاثاء الماضي كان الرئيس الأميركي باراك أوباما يخاطب العراقيين عندما قال محذرًا: «إن الذئاب تعوي عند الأبواب»، لكن قبل أن يصل كلامه إلى المنطقة، وصل عواء الذئاب إلى داخل البيت الأبيض، عندما بثت «داعش» ذلك الشريط المتوحش، الذي يصور عملية ذبح الصحافي الأميركي جيمس رايت فولي، مراسل «غلوبال بوست»، الذي كان قد خطف في إدلب في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2012، وقد هدد الإرهابي الذي ذبحه الذي تحدث بلغة إنجليزية تغلب عليها اللكنة البريطانية، بذبح أميركي آخر يدعى ستيفن جويل سوتلوف!
عمليًا، الذئاب تعوي منذ 3 أعوام ونيف في سوريا، بعدما استجلبتها رائحة دماء المجازر التي أودت حتى الآن بأكثر من 200 ألف قتيل، سقطوا بالبراميل المتفجرة وبالسلاح الكيماوي، الذي كان أوباما يفخر، تقريبًا أول من أمس، بأن عملية إتلافه وصلت إلى نهايتها (!) ولكنه طالما رفض أن يستمع إلى العواء وتعامى عن أنهر الدم، التي استقطبت التطرف والوحشية المطلقة إلى الميدان الذي كان ولا يزال حلبة للموت، يديرها التقاطع بين التعامي الأميركي والانحياز الروسي عن المذابح وعن الذئاب التي تعوي في سوريا!
ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني سبق أوباما فكتب في «صنداي تلغراف» مقالًا بعنوان «كافحوا الآيديولوجيات الآن أو واجهوا الإرهاب في شوارع بريطانيا»، لأن نشوء دولة إرهابية على ساحل البحر المتوسط يضع القارة الأوروبية في مرمى الخطر، لكن مواجهة «داعش» لا تتم بكتابة المقالات ولا بإطلاق التحذيرات من عواء الذئاب، وخصوصًا أن أوباما يتحدث عن «الغارات المحدودة» التي أجاز شنها في العراق، في حين يكتفي مجلس الأمن بإصدار القرار 2170 خاليًا من أي خطط أو جداول زمنية لمواجهة «داعش»!
لقد بدأت الفظائع في سوريا على قاعدة أن الدم يستسقي الدم، وليس سرًا أن تمادي النظام في القتل استقطب القتلة من أصقاع العالم، وقد قيل إن أجهزة مخابرات غربية تولت نقل هؤلاء الذئاب الإرهابيين إلى المصيدة السورية رغبة في الخلاص منهم على أيدي الآخرين، والدليل أن معظم الدول الغربية تعرف عدد رعاياها من القتلة الذين انخرطوا في «داعش» و«النصرة» من أستراليا إلى الصين، مرورًا بروسيا والشيشان وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وأميركا!
قبل أن ينفجر بركان «داعش» في نينوى وينهار الجيش العراقي أمام بضعة آلاف من الإرهابيين ويفرّ تاركًا لهم أحدث الأسلحة الأميركية، وهذا أمر غريب جدًا يثير التساؤلات على خلفية ما إذا كان هناك رغبة في تكبير الوحش «الداعشي» وتظهيره، بما يدفع المسؤولين في أميركا وأوروبا إلى التفكير في التعاون مع النظام السوري وداعميه الإيرانيين الذين لهم اليد الطولى في العراق، قبل ذلك بكثير تمادت «داعش» في قتل عناصر «الجيش السوري الحر» وارتكبت الفظائع في أكثر من مكان في الرقة وحلب، ولكن أوباما لم يتحرك لأن الذئاب كانت تعوي بعيدًا!
مع اقتراب «داعش» من أربيل، حيث تملك أميركا مروحة من المصالح النفطية والاستثمارية واحتمال وصولها إلى كركوك، ثم مع سيطرتها بداية على سد الموصل، الذي يصفه الأميركيون بأنه أخطر سد في العالم، لأنه معرض أساسا لخطر الانهيار، ولأن «سقوط السد قد يهدد أعدادًا كبيرة من المدنيين ويعرّض للخطر الموظفين الأميركيين ومرافق الولايات المتحدة بما في ذلك السفارة في بغداد»، فقد أعلن أوباما أنه أمر القوات الأميركية في 15 أغسطس (آب) بشن «غارات ستكون محددة في نطاقها وفي مدّتها» على مواقع «داعش» في العراق.
ولكنّ بين 15 أغسطس 2014 و15 أغسطس 2012 عامان من عواء الذئاب التي صم أوباما أذنيه عنها، وهو ما دفع هيلاري كلينتون إلى القول لمجلة «ذي أتلانتيك» في 10 أغسطس، إن أوباما ترك في سوريا فراغًا ملأه الجهاديون: «إن عدم المساعدة في بناء جيش معتمد من الذين كانوا وراء المظاهرات المعارضة للنظام السوري، حيث كان هناك إسلاميون وعلمانيون، وكل ما بين الاثنين خلق فراغًا ملأه اليوم (الجهاديون).. إن الأمم الكبرى في حاجة إلى مبادئ قيادية وعدم القيام بتصرفات غبية ليس مبدأً قياديًا»!
لعل أفضل شرح لكلام كلينتون هو ما قاله أحد القياديين الأكراد في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي: «لو انتهى الأمر في سوريا لما كنا رأينا ما يحصل لنا في العراق»، هذا من دون أن يشير إلى الدعم العسكري والمادي الذي قدمته حكومة المالكي، بطلب من طهران إلى النظام السوري الغارق في الدم، وهو ما جعل من سوريا ساحة للإرهاب الذي خرجت نواته الأولى من السجون السورية والعراقية!
لكن لماذا اكتشف أوباما فجأة أن الذئاب تعوي على الأبواب، هل بسبب المصالح الأميركية في أربيل، حيث ترتفع الآن صيحات الغرب داعية إلى تسليح البيشمركة، أم لأن هناك حسابات أخرى، تكاد تكشف عنها صراحة الخطة الأميركية لمحاربة «داعش» التي تستثني الجيش العراقي؟
فقد كشفت تقارير دبلوماسية عن أن واشنطن عرضت على مسؤولين أكراد وسنّة خطة لدحر تنظيم «داعش» تدعو إلى أن تضطلع قوات البيشمركة بمساعدة الأقليات بتطهير نينوى وباقي المناطق حتى الشريط الحدودي مع سوريا والأجزاء الشمالية الغربية من محافظة ديالي، وأن يُعهد إلى العشائر والفصائل السنّية المسلحة بتطهير الأنبار تمهيدًا لتشكيل قوات نظامية من سكان المحافظة تابعة لوزارة الدفاع، في موازاة هذا يبقى الجيش الاتحادي في موقعه وتقديم إسناد محدود إذا دعت الحاجة!
الحديث عن تشكيل تحالف دولي إقليمي بمشاركة السعودية وإيران يأخذ مداه في التفكير الأوروبي فقط، لكن الأميركيين لهم خططهم على ما يبدو، ولا تغالي صحيفة «الإندبندنت» عندما تكتب: «أولًا، إن قرار تسليح الأكراد هو بمثابة اعتراف من صنّاع السياسة بعدد من الحقائق التي تجاهلوها طويلًا، وهي أن الأكراد قوة منظمة ومعتدلة يمكن التعويل عليها لمحاربة التطرف في العراق والمنطقة. ثانيًا، إن الأكراد سيعلنون استقلالهم عاجلًا أم آجلًا، وفي النهاية مصير العراق هو التقسيم، وواقعه الراهن في حكم المنقسم بين الكرد شمالًا، والسنّة وسطًا، والشيعة جنوبًا!».
«نيويورك تايمز» تمضي بعيدًا في تظهير الدعوة إلى قيام الدولة الكردية فكتبت: «إن واشنطن في حاجة إلى تعاون كل القوى الكردية في المنطقة بعدما تعززت قوة الأكراد في سوريا وتركيا ولم يعد في الإمكان تجاهل ذلك».. فهل هناك أوضح من هذا كخارطة طريق إلى قيام الدولة الكردية لتكرّ سبحة التقسيم في المنطقة؟