حزب الله ينأى بنفسه والجيش ينضم إلى معركة الجيوش ضد «الجماعات المسلّحة»
قبل أشهر، وحتى قبل سنة أو سنتين، كانت بلدة عرسال في البقاع الشمالي تتقدّم الى الواجهة، من زاوية الدعم الذي تقدّمه «للثورة السورية»، ولا حاجة لعرض أو مناقشة الأسباب والدوافع، التي تجعل من البلدة، المشهود لها بوطنيتها، وتاريخها الى جانب المقاومة الفلسطينية، ولاحقاً المقاومة الوطنية، فضلاً عن توزّع قسم من شبابها بين تيارات قومية، أو ماركسية، أو تقدّمية.
قبل الثورة السورية، وإبّان «إنتفاضة الإستقلال» التي أعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لعب الشباب العرسالي دوراً، طاغياً على حركة التظاهرات في شوارع بيروت، وفي جانب من الشعارات التي كان ترفع شعارات تندّد بالنظام السوري، وتطالبه بالخروج عسكرياً وأمنياً من لبنان..
لم تتبدّل هوية عرسال،. كبلدة حاضنة لتحركات الدعم والمساندة، والحيوية في الانخراط في الأحداث..
ولم يكن من المثير للدهشة، أن تجد «الحركات الجهادية» أرضاً خصبة هناك، بصرف النظر عن قوة الانتشار أو فعاليته..
هنا تلعب الجغرافيا دورها، وليست الجغرافيا المقصودة فقط بالأرض، بل الجغرافيا البشرية، وحتى الإقتصادية، فلطالما اعتبر العرساليون أنفسهم امتداداً لسوريا أو حتى العراق، ولعبت الهوية الدينية والإجتماعية دورها في تكوين الدعم لهذا التيار أو ذاك، ولا أحد ينسى التعاطف بين «جماعات عرسالية» وحركة «الشيخ الفار» أحمد الأسير، ولا حتى الإرتباط بما كان يجري في طرابلس وعكار أو الشمال عموماً..
بدت عرسال، رأس حربة، في الإنقسام اللبناني، عموماً، والبقاعي خصوصاً. ومنذ أن تحوّلت عرسال في البقاع الشمالي، قبل حركة القصير وبعدها، وقبل معارك القلمون وإبّانها، الى حاضنة للنزوح السوري، بحكم الجغرافيا والإرتباط الديني، وحتى الإجتماعي، والمهني (زواج، مصاهرة، حِرف واحدة) بحيث يتواجد على أرضها وداخل مدارسها ومنازلها وشوارعها ما لا يقل عن 150.000 نازح سوري (وفقاً لتقديرات مفوضية النازحين السوريين في لبنان)، فضلا عن تحوّلها الى مركز لتجمّع مقاتلي الجهات المقاتلة في سوريا، النصرة، جيش الإسلام، أحرار الإسلام، وأخيراً «داعش».
لم تكن الإحتكاكات الأولى بين أبناء عرسال المنتسبين للحركة «الجهادية» المسلّحة في سوريا، وأبناء البلدات البقاعية الشمالية، ذات الأكثرية الشيعية، الموالية لحزب الله، والذي تخوض وحدات عسكرية منه معارك ضارية في سوريا الى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، لم تكن تلك الإحتكاكات وحدها، هي التي حملت إشارات سلبية، عن مستقبل الأحداث، ليس بين عرسال واللبوة، أو نحلة، أوقرى أخرى، بل بالنسبة لعرسال كملجأ أخير، للمسلّحين المنتشرين من جبال القلمون السورية الى السلسلة الشرقية لجبال لبنان، وصولاً الى أودية عرسال، وتلالها ومنبسطاتها.
شكّل دخول الجيش اللبناني الى عرسال، بقرار سياسي كبير، إحدى الضمانات، بمنع الإشتباك الأهلي في البقاع، والحؤول دون حصول مواجهات بين عرسال «السنّية» واللبوة «الشيعية»، منعاً لاتساع دائرة الإحتكاك بين السنّة والشيعة، حماية للإستقرار العام، ومنعاً لشبح الفتنة الطائفية من أن تدخل الى البلاد، من بوابة واسعة، هي حرب صريحة بين الأهالي المنقسمين، ليس حول الموقف من النظام السوري، سياسياً وميدانياً، بل على المستوى اللبناني أيضاً بين فريقي 14 و8 آذار.
دخل الجيش اللبناني البلدة، في ظروف صعبة على جبهة معارك القلمون، أو على جبهة الحرب التي توقفت بفضل الخطة الأمنية، بين جبل محسن (العلوي) وباب التبانة (السنّية) في مدينة طرابلس.
بقيت عرسال في عين العاصفة: برزت تباعاً أسئلة عن إمكانية حسم المعركة في البلدة الكبيرة؟ طُرحت أسئلة عن احتمالات دخول حزب الله في المواجهة؟ طُرحت أسئلة أخرى عن قدرة الجيش السوري في ضرب نقاط تجمّع مسلّحي «النصرة السورية» داخل عرسال؟
لم يدر في خلد أحد أن ساعة المواجهة اقتربت، وأن الجيش اللبناني، سيتجرّع مرة أخرى «الكأس المرّة» في مواجهة «المجموعات المسلّحة» المتطرّفة، سواء أكانت لبنانية أم سورية أم «متعددة الجنسيات»!
نأى حزب الله بنفسه، عن القيام بهذه المهمّة، وشكّلت خُطب الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله، في مناسبات مختلفة، الإطار المرجعي لرفض تصنيف عرسال كبلدة خارجة على القانون، أو حاضنة لما بات لغة مألوفة «الإرهاب». وتجاوز الحرب ميدانياً، أحداثاً، قُتل فيها مناصرون شيعة أو من الحزب، في اعتداءات أو اشتباكات، سواء على الطرقات الرئيسية أو في بلدة اللبوة، المحسوبة عليه، مع البلدات الأخرى المجاورة. كل ذلك، منعاً لاستدراجه الى مواجهة داخلية، مع أيّ طرف، لا سيّما إذا كان هذا الطرف «سنّياً»، حتى لا يتحوّل الى «قميص عثمان» آخر في التحريض ضد الحزب، أو ذريعة لجرّ البلاد الى «فتنة مذهبية» لا تُبقي ولا تذر، في منطقة، تشتعل فيها النار المذهبية على كل الجبهات..
وإذا كان حزب الله نجح في الابتعاد عن «جبهة عرسال» نظرياً، على الأقل، فإن تطوّر الأحداث الميدانية على طول جبهة القلمون، بعد سقوط القصير، ويبرود، والقرى الأخرى بيد «تحالف النظام السوري وحزب الله» فرضت بلدة عرسال بنداً على «جدول الأعمال» الحربية، بصرف النظر عن الرغبات والنيّات، والخطط.
وبقدر ما كانت القوى المتقاتلة، تلعب ورقة الوقت، لتأخير الإنفجار، واحتواء الإشكاليات اليومية، في ظل انتشار «للعناصر المسلّحة» في جوار البلدة ومحيطها، وتمركز الجيش اللبناني، في نقاط استراتيجية عند المداخل والتلال، المشرفة على الأودية، التي كانت تشكّل «طرقاً برّية، ووعرية» للتهريب، أو العبور غير الشرعي بين لبنان وسوريا، بقدر ما كانت تقيم الحساب للساعة، أي لوقوع المعركة، وانتشال عرسال من أن تكون نقطة ساخنة، على محاور «الحرب الدينية» بأشكالها السياسية والعسكرية والاقتصادية، المندلعة في العراق وسوريا وشمال أفريقيا واليمن والبحرين، امتداداً الى حدود لبنان، ومدنه ذات التأثير في حركة الإمتداد والمساندة، سواء عبر الإغاثة أو الاستشفاء أو التسلّح أو النشاط الإعلامي..
وعند هذه النتيجة، أصبح الجيش اللبناني، الذي حسم بجدارة «معركة عبرا»، وقبلها معركة «نهر البارد»، وقبلها معركة جرود الضنية»، شريكاً في الاشتباكات الدائرة في عموم المنطقة بين الجيوش العربية، كلٌ في بلده، والجماعات «الجهادية»،الأصولية، المتطرّفة، (أو قل الإرهابية) في عموم الأقطار والمدن والميادين الممتدة من تونس وبنغازي الى الموصل وبغداد، ودير الزور، وحلب، وحماه، وسلسلة جبال لبنان الشرقية، وكل مكان تقريباً..
كان الجيش يستعد للمواجهة، قبل عمليات «السيف المسلّط»، وكانت القوى الأخرى كذلك، تستعد.. لكن المواجهة محسومة سلفاً، بصرف النظر عن النتائج والحسابات ومسار المواجهة نفسها!