إستنزاف على جبهة السلسلة الشرقية.. يرسم المعادلة السياسية في الداخل؟!
يعترف مقاتلو حزب الله، الذين شاركوا بمواجهات شرسة في بعض نواحي حلب، وبلدات القلمون والقصير، وحتى في بعض أحياء ريف دمشق، ومنها حيّ السيدة زينب، أن مقاتلي «جبهة النصرة» السورية، وفصائل أخرى من المعارضة، يقاتلون بطريقة احترافية، فهم جيّدو التدريب، ولديهم استعدادات لا نهائية للموت، ولا يقلّون وثوقاً بالأهداف التي يقاتلون من أجلها عن مقاتلي حزب الله.
على أن معادلة الخسائر البشرية، ليست هي وحدها العبرة في الحرب الدائرة، فمقاتلو «النصرة» وسائر الألوية المسلّحة «الجهادية» أو السلفية، يتمتعون بوفرة العدد، أو قل الأعداد الكبيرة التي إما أنها تشارك في الهجمات أو أنها تتولى الدفاع عن المواقع التي كانت تتهاوى، في المناطق التي قاتل «حزب الله» إما منفرداً أو الى جانب الجيش النظامي ضد مقاتلي المعارضة.
مناسبة هذا الكلام، ما يتردّد في الأندية والمواقع والمناقشات العامة والخاصة عن خسائر يُمنى بها حزب الله، على جبهة الحرب الدائرة في السلسلة الشرقية لجبال لبنان، وهي المنطقة الفاصلة بين لبنان وسوريا، وبالتالي النتائج المترتبة على هذه المعارك، وتأثيرها على بيئة الحزب الحاضنة، في ظل تبدلات في مشهد المعادلات الإقليمية، سواء في ما يتعلق بسيطرة داعش على 35٪ من الأراضي السورية، أو على معظم أجزاء شمال العراق، وإبعاد سلطة حكومة المالكي عن هذه الأراضي لا سيّما في الموصل ثاني أكبر المدن العراقية.
وبصرف النظر عن التطورات الميدانية لحرب السلسلة الشرقية، فإن خسائر الحزب البشرية عزّزت المخاوف من حرب استنزاف في هذه المنطقة، أو إشعال حرب حدود طويلة، تهدّد البلدات الكبيرة والقرى في البقاع الشمالي، فضلاً عن تسعير الخلاف السياسي – المذهبي في البلاد، إذا ما تمكّن «مسلّحو النصرة السورية»، وسائر المجموعات القتالية، من الفريق السوري المعارض، والفرق اللبنانية المتحالف معه، من نقل المعركة الى بلدة عرسال البقاعية، التي تشهد اشتباكات وأوضاعاً أمنية غير مستقرة، بصورة يومية، أو شبه يومية، بين الجيش اللبناني المرابط في عرسال ومناطقها الاستراتيجية والأودية التي تشكل شريان تحرُّك الامدادات لمسلّحي «النصرة وسواها» في جبال القلمون، وعند جانبي الحدود اللبنانية – السورية..
قبل أشهر من اندلاع معركة السلسلة التي تشكل امتداداً طبيعياً لمعركة القلمون، وتالياً معركة الدفاع عن دمشق، كانت قيادة حزب الله تتحيّن التوقيت المناسب، للدخول في تلك المواجهة التي تكتسب أهميتها، ليس فقط من تصفية ما تبقى من «عناصر هاربة» أو كانت مشاركة في معركة القصير وغيرها من بلدات كيبرود وسواها، بل حماية المناطق اللبنانية المتداخلة أو المحاذية للحدود السورية.
جاءت اجتياحات «داعش» لأراضي السلطة العراقية، برئاسة نوري المالكي، تعزّز صحة رهانات حزب الله على معركة القلمون، وتالياً معركة السلسلة الشرقية من زاوية أن فريق المعارضة السورية، المرتبط بالتنظيمات السلفية والأصولية الأمّ يرغب باقتطاع مناطق نفوذ له، وبالتالي تحقيق هجمات إمّا لتوسيع نطاق سيطرته باتجاه البقاع الشيعي، أو حتى السيطرة على مدينة بعلبك، وقطع طرق الإمداد لحزب الله من وإلى سوريا..
وبصرف النظر عن هذه الترجيحات، وصوابيتها، فإن معركة الحدود مرشحة للاتساع شرقاً وشمالاً، في إطار إعادة توزيع معادلات «القوة والنفوذ» في صراعات المنطقة.
ولعلّ الأمر، الذي لا خلاف عليه أن التحاق لبنان، ولو من زاوية الحدود بالإنفلاش العسكري الواسع، للقوى المعادية لمحور إيران – المالكي – الأسد – حزب الله، فضلاً عن التحاق جماعة عبد الملك الحوثي في اليمن، بهذا المحور، على نطاق تقاسم مواقع النفوذ والثروة، على أرض الشرق الملتهبة.. يؤكد أن «وحدة السلطة السياسية» في هذه المرحلة، محميّة من تلك المعادلات التي تشكل حرب القلمون السورية، امتداداً الى السلسلة الشرقية إحدى مفاصلها الرئيسية..
ومن علامات التحاق لبنان بهذا الوضع المتفجّر، والحارق، دخول الجيش اللبناني طرفاً مباشراً في هذه الصراعات، سواء على جبهة عرسال، أو في الساعات والأسابيع الماضية على جبهة طرابلس.. حيث لم يقتصر الأمر، على استهداف عناصر الجيش وجنوده وضباطه بالعمليات «الإرهابية»، بل تحوّلت محاور طرابلس القديمة الى «نقاط ساخنة»، ودارت اشتباكات لم تقتصر على المطاردة، بل المواجهة المباشرة، على خلفية ملاحقة وتوقيف: إمّا قادة المحاور أو العناصر السلفية المتطرّفة الخطيرة، والمطلوبة بمذكرات توقيف قضائية..
وعلى الرغم من التغطية السياسية والوطنية التي يوفرها الإسلام المعتدل للقوى الأمنية الشرعية، لا سيّما الجيش اللبناني، فإن مخاوف من ارتدادات «إنشطارية» للحمة السياسية، والشعبية ما تزال قائمة، على خلفية اشتداد الخلافات بين المحاور المتصارعة في المنطقة، والعجز عن إيجاد آليات، قادرة على إنتاج قرار يخدم التوجهات الوطنية، في هذه المرحلة الصعبة، التي لا تكتفي فيها المخططات الحالية، بتحويل بلدان الشرق الأدنى المستقرة الى مناطق اضطرابات وقلق، بل ذاهبة الى عملية تفسخ، تجعل من بقاء الوحدة التاريخية لهذه البلدان شبه معجزة..
ويلعب الشلل الرسمي على كل الساحات دوره السلبي، في ظل استبعاد الاتفاق على رئيس للجمهورية، يعيد بلورة الخطوط الخضراء والحمراء على الساحة اللبنانية؟