IMLebanon

من “سيدمِّر” داعش؟

ثمة الكثير من الوقائع والمعطيات الواقعية الشديدة الوطأة على المسيحيين اللبنانيين لا تجعلهم مطمئنين الى تسلل المد الداعشي الى لبنان، وهم في ذلك محقون. فالضمان الأول والأخير الذي أثبتت تجارب الحرب والسلم أن لا ضمان سواه، والمتمثل بدولة حديدية بالمعنى الذي يحمي التعددية والأقليات، لم يقم بعد في لبنان ويصعب الرهان على قيامته وسط حمم المنطقة وأزمات الداخل. ومع ذلك ترانا نذهب الى الاعتقاد بأن الخوف من اقتحام الداعشية ومشتقاتها ومثيلاتها لبنان هو أمر مبالغ جداً فيه ودونه سدود عدة تتصل بالتركيبة اللبنانية أولاً وأخيراً، مضافاً اليها خلاصات أكثر من واقعية حتى للحقبة الأخيرة المتصلة بتدفق الانعكاسات السورية على لبنان.

إن “داعش” هذا هو بخلاصة سريعة محاولة غير مسبوقة في تاريخ المنطقة لأفغنة الشرق الأوسط بل لـ”طلبنته” (طالبان) بالكامل. ولكن سيكون من الاستحالة تخيل ترسيخ “دولته” الى أمد بعيد ولو افادت من تمدّده ظرفياً إرادات اقليمية ودولية شديدة الخبث في اللحظة التي تحول فيها اجرامه فزاعة الشرق الأوسط، بل “الهواء الأصفر” والطاعون الفاتك بحضارات المنطقة والمقوض لتاريخها والمدمر لصورة الإسلام. هذا التمدد الاسطوري غير المتخيل لداعش ما كان ليحصل في لحظة موصوفة وجغرافيا موصوفة لولا ان نيران صفقة او صفقات كبرى تجري على نار جاهليته العمياء الجارفة. ولا نظن في اي شكل، كما لا نؤخذ بسذاجة الاعتقاد، ان المجتمع الدولي كان ليعجز عن ردع داعش لو كانت الصفقات الجاري التحضير لها قد انجزت خصوصاً بين الغرب وايران. ذلك ان “بقعاً” من المنطقة لا تزال عصية على الظاهرة الداعشية، فيما “بقع” أخرى تكاد تنهار بالكامل تحت سيطرتها، مما يعني ان الأمر ليس بعيداً عن التخطيطات المعتمة الجارية في غرف الاستراتيجيات التي تطبخ الصفقات العملاقة.

لا نقول ذلك بداعي تخفيف الخوف خصوصاً ان الشراسة التي تتبعها الداعشية ضد الاقليات المسيحية في العراق وسوريا لم تعرفها البشرية إلا في المحارق العرقية. ومع ذلك قد يغدو السؤال الأشد الحاحاً بعدما بات المد الداعشي يهدد اسواق النفط هو متى ومن “سيدمر” داعش حين تنتفي الحاجات الخفية لتوظيفه وحين يبدأ هذا المدّ يتهدّد المصالح الدولية في الصميم؟ لا يمكننا ان نستكين الى منطق يراد له أن يعمم السذاجة بأن وحشاً يفترس حضارات وأقليات ويجفف الشرق الأوسط إلاّ من حرب مئة عام مقبلة سيكون مشروعاً قابلاً للحياة والاستمرار والترسيخ لمدة طويلة. ولا نظن أيضاً انه متى استوت الصفقات سيكون صعباً تخيّل تحالف عالمي مماثل للحملة الدولية التي طردت جيش صدام حسين من الكويت في مطلع التسعينات. أفليس الشرق الأوسط المنطقة التي تجتر تاريخها بالدم؟