“عندما أعلن الجنرال هنري غورو، في أول أيلول 1920، دولة لبنان الكبير مشتملة على مدن بيروت وطرابلس وصيدا والأقضية الأربعة، التي كانت تابعة لولاية سوريا، شعر قسمٌ من الأهالي بأن كيانهم الوطني المرتجى قد قام، بينما استمر آخرون يتطلعون الى القرار التاريخي الذي كان المؤتمر السوري قد اتخذه في دمشق في 8 آذار 1919. (اعلان سوريا، بما فيها فلسطين ولبنان، دولة مستقلة ملكية دستورية ذات سيادة).
“بقي أبناء البلاد منقسمين على الصعيد السياسي الى قسمين، يقر أحدهما الوجود الانتدابي الفرنسي والكيان اللبناني الجديد، ويرفض الآخر هذا الانتداب ويتوق الى وحدة كلية أو جزئية مع سوريا. غير أن هذا الانقسام أخذ يفقد، على مرور الأيام، ومعاناة التجارب، حدته والوضوح في ملامحه، وراحت تتكوّن حول بعض المطالب والشكاوى الأهلية وحدة وطنية. وبقيت هذه الوحدة في حدود المشاعر والآراء الفردية ينقصها الوضوح والتنظيم”.
النص، من كتاب” الأبعاد التحررية لدى النخب اللبنانية” لعادل الصلح، ابن عائلة ممن أسسوا الفهم العميق لعدم تناقض الوطنية اللبنانية، مع الانتماء القومي العربي. وهو ما ثبّته “اتفاق الطائف” بعد نحو 70 سنة، لم تكف لوصول الوحدة الى محل اجماع ووضوح.
من محاسن المصادفات، أن تُقرأ هذه الصفحات بينما نجحت النائب بهية الحريري في تكريس الأول من أيلول مناسبة للاحتفال بذكرى ولادة “لبنان الكبير”، كأنها تعطي امتداداً مستقبلياً لما نقل عادل الصلح، عن تلك اللحظة، وفي الوقت نفسه اعتذاراً عن تواني بعض الشركاء، بأغلبية اسلامية، في الالتزام، بما تعاهد عليه الأجداد، ولو نتيجة ظروف اقليمية (احتلال فلسطين، وآمال الناصرية في وجه المؤامرات الاسرائيلية – الغربية).
لكن ليس من المصادفات أن تولد المبادرة في الظروف الراهنة، تماماً كحال “لقاء سيدة الجبل” الذي حسم، في لحظة مفصلية، بأن “حماية المسيحيين لا تكون بتحالف الأقليات”، لكأنما التاريخ يتكرر متعاكسا مع ذاته: تطلع غالب المسلمين، حتى وقت غير بعيد، الى خارج الحدود، بينما تمسّك غالب المسيحيين بها. واليوم، يقفز هؤلاء، وغيرهم، فوق سياج الدولة الى ما خلف الحدود، بدافعين ديني وأقلوي، ويكادون أن يهملوا الدولة، بدليل تمييع انتخاب رئيس الجمهورية، حتى صارت الأولوية “للحفاظ على استمرارية الدولة” كما قال الرئيس فؤاد السنيورة، حين خاطب “لقاء سيدة الجبل” بأنه أقرب اليهم أكثر بكثير مما هو الى”الذين يرفعون راية ولاية الفقيه، أو راية الخليفة الحاكم” بينما كان “الوكيل الشرعي للسيد الخامنئي في لبنان، القيادي في “الحزب المتسلط” الشيخ محمد يزبك يرد: “الولاية هي سر وجودنا، وسر حياتنا، ولن نزيح عنها، مهما غلت الأثمان”.
ردّ قيل مثله في مراحل سابقة، لكن لبنان انتصر وطناً وأملاً.