انهالت التهانئ من الحكومات الغربية والاقليمية على رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي لاعلانه حكومته التي ضغطت هذه الحكومات من أجل تأليفها، ورحبت بنيلها الثقة في مجلس النواب ولو كانت تشكيلتها ناقصة بلا وزيري الدفاع والداخلية لعدم التوافق عليهما على رغم اهمية هذين المنصبين في هذه المرحلة بالذات، فيما ارتقى العراق وفق مصادر ديبلوماسية من دولة على شفير التقسيم الى دولة فاشلة مكتملة المواصفات. وهذه الدولة الجديدة، اذا صمدت، مرشحة لسلسلة لا تنتهي من العراقيل التي لن تسمح لها بان تحكم لكن سيكفي الافرقاء نعمة المشاركة في السلطة.
من لبنان الى العراق… حوّل.
لم يخرج نوري المالكي من السلطة كليا بل انتقل من الصورة الاولى الى الصورة الثانية، من رئاسة مجلس الوزراء الى نيابة رئاسة الجمهورية. فهناك اعادة تدوير سياسية توفّر الحصانة للذين قادوا بلادهم الى شفير التقسيم والى حرب اهلية بدلا من المحاسبة او على الاقل الإحالة على التقاعد. تحكمت ايران في العراق كما تحكمت سوريا في لبنان قبل ان تتركه لإيران، ولا تزال تترك تداعياتها عليه بحيث يعجز عن انجاز اي تفاهم حقيقي. فإزاء الانتقادات التي ساقها ويسوقها كثر لعدم تسليح الجيش حتى الآن ولتأخر تسييل الهبات السعودية، لا تتفاهم القوى السياسية على توفير الحماية اللازمة التي يحتاج اليها الجيش في المواجهات التي يخوضها. وثمة توظيف ومحاولات توظيف للجيش لغايات ومصالح خاصة، بأبعاد اقليمية، علما ان القاعدة الاساسية في بلد متعدد تتجاذبه رياح المحاور الاقليمية انه لا يمكن تعزيز قدرات الجيش بالسلاح فقط، بل ايضا بالتفاهم الداخلي الذي لا يبدو الافرقاء السياسيون مستعدين لتوفيره. وقد تردد ان شخصيات لبنانية تلقت نصائح من هذا النوع من مسؤولين في المنطقة يشعرون بخطورة كبيرة يواجهها لبنان والاردن في شكل خاص في ضوء ما يحصل في العراق وسوريا، الى درجة اثارة مخاوف حقيقية على الوضع في البلدين المذكورين. الخطورة ليست في وجود بيئة حاضنة لـ”داعش” ام لا، بل في انتشار مفاهيم دينية في بيئات لديها مشاكل جمة. فنموذج القتل الذي يتبعه التنظيم جرى تطبيقه في صحراء سيناء اخيرا، وهناك النموذج نفسه للسيطرة ونشر حكم الخلافة في نيجيريا حيث يتحرك تنظيم “بوكو حرام” على نحو مماثل لتحرك “داعش” في العراق وسوريا. وما بدا من فوضى في الايام القليلة الماضية التي أعقبت قتل العسكري في الجيش عباس مدلج في ظل عمليات خطف وخطف مضاد، أثار مخاوف كبيرة وحقيقية بانحدار متسارع للبنان الى قعر الهاوية. كما كان بمثابة جرعة تذكيرية بكيفية بدء الحرب في لبنان عام 1975. ومع اقرار هذه المصادر بان الافرقاء السياسيين الاساسيين لا مصلحة لديهم من حيث المبدأ في جر لبنان الى فتنة داخلية، فان الشارع قد يجر احيانا الى حروب غير متوقعة.
وما هو مثار انتقاد لا يقل شدة عن غياب التفاهم الداخلي الحامي للجيش اللبناني، يتصل بترك موقع الرئاسة الاولى شاغرا بين اختلافات مسيحية لا تهتم بترتيب البيت الداخلي المسيحي على رغم التهديدات التي يستشعرها المسيحيون من الخط البياني لتطور الامور في المنطقة على نحو صارخ، في ظل عدم الشعور بالمسؤولية مما يجعل موضوع رئاسة الجمهورية يراوح مكانه من دون اي تقدم حتى الآن. وبين عدم القدرة على التفاهم الداخلي وترك المسألة معلقة على تفاهم سعودي – ايراني قد يحصل او لا يحصل في المدى المنظور، تفيد معلومات تم استقاؤها من خارج استنادا الى تطورات اخيرة على جملة ملفات، ان الاهتمامات الايرانية في مكان والاهتمامات السعودية والخليجية في مكان آخر، وتتوزع من العراق الى اليمن فسوريا ومواضيع حساسة اكثر اهمية بكثير من لبنان. يضاف الى ذلك استمرار “النقزة” السعودية من ايران وعدم الثقة بتحركها وطموحها واستمرار هذه “النقزة” حيال الاميركيين ايضا في علاقتهم مع ايران. والمؤشر لذلك ان الآمال التي عقدت على تحول في العلاقات الايرانية – السعودية بعد زيارة ديبلوماسي ايراني للمملكة السعودية في الآونة الاخيرة، سرعان ما خبت.
وثمة استغراب لمراقبة المسؤولين في لبنان العراق يتحول، من حيث اضطرار افرقائه السياسيين الى التوافق تحت وطأة الضغوط الخارجية من اجل منع تقسيم العراق او من اللجوء الى صيغة توفيقية في الحكم، الى ما يشبه لبنان من حيث تقاسم السلطة والحصص وتوزيع الصلاحيات، فضلا عن الصراعات التي لم تسمح بعد تسمية وزيري الداخلية والدفاع، او المخاوف من تحول الوزراء في الحكومة الى تمتعهم بحصانة طائفية تمنع محاسبتهم، ولا يدرك الافرقاء السياسيون ان لا بديل من تفاهمهم في نهاية الامر في انتظار التفاهم الخارجي.
ولعل سوريا ستترك تتخبط حتى اقتناع الافرقاء الاقليميين والدوليين، فضلا عن الافرقاء الداخليين بان لا حل محتملا سوى بالتحول الى ما يشبه العراق ولبنان في نهاية المطاف. دول فاشلة تلحق احداها بالاخرى على وقع امتدادات النزاعات الاقليمية.