IMLebanon

من هو المرشح العوني للرئاسة؟

 

 

حقق رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إنجازين حتى الآن: أولاً، قطع طريق بعبدا على العماد ميشال عون، وهي كانت «مزفّتة» سعودياً ومعبّدة أميركياً! ثانياً، فاز ببراءة ذمة ونظّف سجله العدلي، لأن من انتخبوه رئيساً كانوا أقل حياء ممن وقّعوا قانون العفو عنه! أما الانجاز الثالث العظيم الذي تتطلع معراب الى تحقيقه، فهو تسمية الرئيس المقبل، طالما يتعذر انتخاب جعجع رئيساً، ليتحول «مانديلا اللبنانيين» من صانع عبوات إلى صانع رؤساء.

وما سرب من لقاء الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل عن تشجيع الأول لعون على توفير إجماع مسيحيّ عليه أثلج قلب «الحكيم»: طريق بعبدا تمر بمعراب. يفترض جعجع أن الأصوات الـ48 التي فاز بها، هي أصواته هو لا أصوات تيار المستقبل، وهو من يقرر، بالتالي، لمن سيصوّت نواب المستقبل… مستقبلاً. يتطلب الأمر ثقة استثنائية بالنفس من جهة جعجع ليرى حين ينظر في المرآة أكثر من «هنري حلو» مستقبلي.
أما العماد عون فعلاقته ساءت بسفير الكرسي الرسولي بعدما نصحه الأخير بأن يكون صانع رؤساء. مصادر عدة أكدت السلبية الشديدة للقاء الأخير بين البطريرك بشارة الراعي والوزير باسيل للسبب نفسه. لدى عون فعلاً ما يكفيه من الصفات؛ لا ينقص زعيم مسيحيي المشرق سوى أن يكون رئيساً للجمهورية. قبل ثلاثين عاماً كان يسمي قائداً للجيش، فلا أحد يغريه بهذا الشرف اليوم. وكتلته النيابية تتيح له توزير باسيل، فلا يحاول أحد أن يبيعه من كيسه. لا شيء يعوض الرئاسة الأولى بالنسبة لعون. عام ١٩٨٩ كانت الإغراءات السورية كثيرة والنصائح الأميركية أكثر، إلا أن هدير طائرات «سوخوي» لم يوقظه من حلمه.
يتكرر مشهد ١٩٩٠ بكافة فصوله أمام أحد الإعلاميين المخضرمين: جعجع ينشغل عن كل شيء بقطع طريق الرئاسة على عون. عون يخوض حربه من دون خطة ب. الرئيس أمين الجميل يعجز عن اتخاذ قرار مفصلي. أما البطريرك الماروني فيتعامل بخفة استثنائية مع الاستحقاق الاستثنائي، تماماً كسلفه. كان صفير يريد رئيساً للجمهورية حتى ولو كان الياس الهراوي، ويريد الراعي رئيساً، حتى ولو كان القنصل أنطوان عقيقي. والنتيجة الطبيعية لهذا «الحفل التأبيني» للموارنة هو هذا الكم من المرشحين الكاريكاتوريين الذين يشير تجرؤهم على الترشح إلى الدرك الذي بلغه مقام الرئاسة. الأطفال الذين يحيطون بملعب كرة القدم لالتقاط الكرات التي يقذفها اللاعبون عادة، يتدافعون للعب دور الحكم. أحد الوزراء السابقين، ممن كانت إحدى الموظفات في وزارته تصرخ عليه أمام حشد الموظفين في وزارته، مرشح جدي لرئاسة الجمهورية. حين تبلغ الرئاسة الفرنسية مستوى فرنسوا هولاند التهريجي، يغدو طبيعياً أن يكون مرشحها الأول للرئاسة اللبنانية من يُتداول باسمه كمرشح بطريركي. انضم الوزير السابق فارس بويز، بالمناسبة، إلى قائمة المرشحين. إنها تجارة مربحة: «التتكيس» على خط جبل لبنان ـــــ الضاحية، لتوطيد علاقة بعض المسترئسين بحزب الله.
في السفارة السعودية يتكتمون على عدد المكالمات التي تطلب مواعيد مع أمير ما، أياً كان، في مملكة «الشعب السعودي الشقيق». أما في تيار المستقبل فيتحدث أحد النواب عن الإلحاح الماروني المنقطع النظير للقاء ما، أينما يريد الحريري وساعة يشاء. فوجئ الحريري، فعلاً، بأحد الوزراء السابقين يعلمه بتواجده في السعودية، لكن في غير الرياض حيث يقيم رئيس الحكومة السابق، فتوجه بنفسه للقائه. بات الحريري يقدّر فعلاً أن يدعوه أحدهم إلى بيته أو محل إقامته، بدل أن يزوروه هم أينما كان في كل أصقاع العالم. ثمة مرشح رئاسي واحد حتى الان يطلب وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل لقاءه بدل أن يطلب هو ألف مرة ومرة لقائه. فليقل المعني بموائد المرشحين لرئاسة الجمهورية في حزب الله أنه يرغب بتذوق الطعام البتروني، لتشهد تنورين أفراحاً عامرة بشتى أنواع الطعام. حين تعيش الرابية على أمل اتصال السفير السعودي بتوفيق (سكرتير الجنرال)، تغدو أسراب المتجهين زحفاً على ظهورهم عبر الصحارى الشاسعة إلى الرياض طبيعية جداً. ثمة من يهدّ آخر جدران الكرامة وما يوصف بعزة النفس. ميشال عون مرشح وفاقي! سليمان فرنجية مرشح توافقي! أمين الجميل مرشح توافقي هو الآخر، وبطرس حرب كل عمره رجل توافقي. سمّوا النائب روبير غانم مرشحاً موافقاً. هو يوافق على كل ما تريدونه، كائناً من كنتم وما تطلبونه. يروى أن الرئيس رفيق الحريري ضرب على رأسه حين شاهد غانم على منبر المجلس النيابي يهجيه بناء لتوصية عنجر، وهمس في أذن أحد زملاء غانم الحاليين: «هذا كلفني مقعده النيابي أكثر مما كلفتني كل معركة بيروت». وُفّق جعجع في واحدة من المرات النادرة بنكتته عن إلحاح شاب خاطب (عون) على صبية خاطبة هي الأخرى (الحريري) ليخرجا في موعد. يبني أحد نواب المستقبل، بناء على مضمون حوار الحريري وباسيل الأخير، تتمة لهذا التشبيه: موافقة الصبية (الحريري) على زعزعة علاقتها بخطيبها (جعجع) والخروج مع عون، يستدعي من الأخير خطوات ملموسة تثبت لها أن خروجهما سوياً ليس مجرد نزوة هدفها إرضاء غريزته وأنه يحبها فعلاً أكثر من خطيبته الحالية (حزب الله)، وسيوفر لها ما يعجز خطيبها عن توفيره. وهذا ما يفترض أن يخطو التيار الوطني الحر، بدفع من باسيل، باتجاهه في الأيام القليلة المقبلة. سبق أن حجزت صفحة في صحيفة «الحياة»، قبل بضعة أسابيع، لمقابلة مع عون قيل إن صحافياً وفد من السعودية خصيصاً لإجرائها، إلا أنها لم تصل في الموعد المحدد إلى الصحيفة؛ لعل أوان إجرائها ونشرها قد آن. وهي، في حال حصولها، مجرد حلقة في سلسلة يمكن أن توصل أو أن لا توصل إلى بعبدا؛ ما من ضمانات.
يبدو الحريري أمام بعض زواره مؤيداً ــــ أخلاقياً أقله ــــ لقائد الجيش السابق أكثر من تأييده لقائد الميليشيا السابق. تأييد الثاني طبيعي في مرحلة المراهقة، يقول أحد الوزراء، أما النضج السياسي فيحتم تأييد الثاني. لكن انحياز العونيين للرئيس فؤاد السنيورة في ما يخص سلسلة الرتب والرواتب وإحالة «الإبراء المستحيل» إلى قسم الأرشيف في تلفزيون لبنان وشعور العماد عون المستجد بأبوته للنائب سعد الحريري، كلها لا تكفي لإقناع الحريري والسعودية بأنه الرئيس الوفاقي كما يقول. لا بدّ من خطوات جوهرية ملموسة أوضح، يبدو باسيل متحمساً لها. وفي حسابات باسيل أن حزب الله سيتفهم حاجة عون إلى تقديم تنازلات جوهرية، واستيعابه. فيما يزداد الالتباس فعلاً بشأن هوية المرشح الحقيقي لرئاسة الجمهورية: برنامج العماد عون ومسيرته أم تطلعات باسيل ومسايراته؟
كل علاقات الرئيس سليمان فرنجية مع الرئيس حافظ الأسد لم تحل دون انتخاب رينيه معوض رئيساً بموافقة الأسد وتشجيعه. ولاحقاً، يروي الرئيس عمر كرامي أن الأسد لم يتوقف عند اعتباراته والنائب سليمان فرنجية الشخصية والعائلية والمناطقية والوطنية حين أعلمه غداة تكليفه تشكيل حكومته الأولى، أن عليه توزير سمير جعجع. يومها، حين تقررت إعادة الاستقرار اللبناني بأسهل الوسائل، بدأت مسيرة العار في ما يخص جعجع. أما أمس فوصل جعجع إلى منصة التتويج فقط. وها هو النائب سليمان فرنجية يتصل بالرئيس السوري بشار الأسد ليعلمه بزيارته ووفد من حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر قائد الجيش ميشال سليمان في اليرزة وتأكدهم أنه لن يتعهد لهم بشيء قبل انتخابه رئيساً، متمنياً على صديقه عدم السير بترشيحه، ليجيبه الأخير أن ما كتب قد كتب. وعليه، حين تكتب التسوية إسماً يصبح هو الرئيس؛ كائناً من كان صاحب الفيتو عليه. لا «ينغش» أحد. ليس في الدولة اللبنانية شيء إسمه صانع رؤساء. ثمة تسويات إقليمية تصنع هؤلاء.