يدور نقاش حاد وجارح بين معظم المعنيين بموضوع سلسلة الرتب والرواتب، حيث لم توفر هيئة التنسيق النقابية «حيتان المال» للدلالة على انها محقة في مطالبها مع العلم ايضا ان الارقام التي تتكل عليها هيئة التنسيق تكاد تأكل الايرادات والموازنة في وقت واحد، والا لن يكون معنى لعملية شد الحبال بين الدولة ممثلة بمجلس النواب والحكومة وبين من يطالب باجتراح الاعاجيب للوصول الى ما يطالب به عن حق او عن باطل، حتى ولو اقتضى الامر القضاء على سنة تعليمية بدروسها وامتحاناتها (…)
صحيح ان الدولة تقاعست عن القيام بدورها، من خلال عدم اقرار السلسلة من جهة، او لانها تعهدت باصلاح الخلل في الرواتب والاجور. لكن الصحيح ايضا ان هيئة التنسيق النقابية زادت من مستوى مطالبها التعجيزية الى حد القول ان لا مجال لتراجعها عن «السلة المطلبية» بما في ذلك التهديد بمقاطعة التدريس والامتحانات في وقت جعلت من الطلاب متراسا سياسيا ومطلبيا في آن اي انها هددت بجعل سنة الدراسة وكأنها لم تكن، بدليل اقفال المدارس مزاجيا وارسال الاف الطلاب الى منازلهم؟!
والاصح مما تقدم ان معظم اللبنانيين مع تصحيح الاجور لكن التصحيح شيء وقتل مالية الدولة شيء اخر، من خلال تدابير ادارية – مالية من المستحيل الاخذ بها من جانب اي طرف معني بالسلسلة، والاسوأ ان اللعبة السياسية دخلت متاهات عقدة الانتخابات الرئاسية، والا لن يكون معنى للجفاء الحاصل بين هيئة التنسيق وبين مجلس النواب المنقسم على نفسه بين من هو مع المطالب وبين من هو مع مالية الدولة، حيث لا احتمالات في ما هو مرجو من وراء اللعبة السياسية التي بلغت حد تحييد الانتخابات الرئاسية في القانون والدستور!
فالكلام الكبير الذي استخدمه النقابيون في حربهم المطلبية ارتد عليهم من جانب «حيتان المال» الذين كان عليهم لعب اوراق من خارج ارقام الموازنة التي بلغت ذروة الانهيار المالي جراء التفاوت بين الواردات وبين ارقام الموازنة المنهكة اساسا نطرا للعجز الحاصل في مصاريفها وفي وارداتها في وقت واحد…
من هنا تبدو الخيارات السياسية منصبة على الانتخابات الرئاسية الى حد القول ان السلسلة لن تمر في مجلس النواب قبل ان تتضح طبيعة «الحرب الرئاسية» وهذا ما على هيئة التنسيق النقابية ان تعرفه لتعرف اين تضع نفسها في مرحلة ما بعد الحرب المطلبية، اضافة الى ان اخذ مجلس النواب اي قرار نهائي بالنسبة للسلسلة لا بد وان يتأخر الى ما بعد وضوح الرؤية الرئاسية مهما اختلفت الاعتبارات السياسية خصوصا ان الذين يخوضون حرب الرئاسة ليسوا ضد المطالب بقدر ما انهم يخافون من وصول ارقام الموازنة الى ما لا يعود يسمح بدفع قرش من ضمن الرواتب، فضلا عن استحالة الحصول على اموال تكفي لسد المديونية العامة؟!
رب قائل ان الدولة لن ترتاح من الاضرابات، في حال تقاعست عن اقرار السلسلة، لاسيما ان الذين تبرعوا بمعالجة المشكلة غير قادرين على تقديم بدائل ان لجهة تحسين السلسلة او لجهة تقسيط الفرق المادي على اساس دفع المستحقات اعتبارا من مطلع تموز 2013 وهذا العرض سبق لهيئة التنسيق ان رفضته مرارا من غير حاجة الى ادخال اي تعديل على مواقفها!
اما الذين يتاجرون بالقضية فهم اكثر من الهم على القلب، طالما ان القضية ستبقى عالقة الى حين توفر من لديه الشجاعة الكافية لاعطاء السلسلة حقها القانوني قبل ان تتطور الامور مجددا باتجاه التصعيد الذي يؤخر الحل الى ما لا طاقة لاحد على احتماله، بدليل قول رئيس مجلس النواب نبيه بري ان الانتخابات الرئاسية تسير على جثث المؤسسات من غير ان يحدد ما اذا كان المطالبون بالانتخابات على حق، خصوصا ان المشكلة مسيحية – مسيحية من غير حاجة لتحميلها الى فريق ثالث!
ومن الان الى حين استرجاع «الهيبة الرسمية» لمواجهة ما هو مطلوب بالحاح، فان الانتخابات الرئاسية ستبقي في صدارة الاهتمام، مهما اختلفت النظرة الى تعقيدات سلسلة الرتب والرواتب التي دخلت في السوق السياسية من بابها الواسع، وهذا بدوره من الامور المتفق عليها بين من هو مع المطالب وبين من هو مع مالية الدولة، خصوصا ان ارقام الواردات مقتصرة على ما بوسع الدولة جبايته من «حيتان المال» وسواهم من الذين يتآمرون على المال العام مهما اختلفت الاعتبارات السياسية والمذهبية والمناطقية، بدليل ما هو حاصل في الجمارك والمرافق العامة؟!