IMLebanon

من يستغلّ تحرّكات أهالي العسكريين ولصالح أيّ مشروع ؟

تعيش البلاد هذه الايام على ايقاع ملف الاسرى العسكريين، حيث بات من الواضح ان ما قبل الازمة لن يكون كما بعدها، خاصة بعدما نجح رئيس الحكومة تمام سلام بحسب مصادر وزارية في وضع حد لكل حملات التشويش، حاسما الامر مرة لكل المرات، واذ بدا رئيس الحكومة كمن يلعب ورقة غير مضمونة النتائج، في ظل المصاعب الكبيرة التي تواجه حركته واتصالاته والتي تبدأ من جرود القلمون ولا تنتهي داخل مجلس الوزراء.

وعلى وقع فيديو «من سيدفع الثمن» لـ«جبهة النصرة»، انطلقت الوساطة الاقليمية متعثرة، على حدّ قول المصادر مع امتناع الوفد القطري من الانتقال من عرسال الى القلمون قبل الحصول على ضمانات امنية واضحة بعدم التعرض له من قبل اي من اطراف النزاع، بعد تجربة سابقة حيث تم النكث بالوعود والاغارة على موكب لاحد الوسطاء المحليين ما ادى الى مقتله، واختياره للشيخ مصطفى الحجيري الذي تطوع للقيام بالمهمة ونقل المقترحات لامير «داعش» الذي رفض الاقتراح لعدم ثقة تنظيمه «بابو طاقية» متهما الوفد القطري بالتسويف والممطالة، ليعود بعدها الوفد المفاوض وينتقل الى يبرود بعد حصوله على الضمانات التي طلبها وليجتمع مع الامير لمدة خمس ساعات انتهت الى تعهد بعدم اعدام اي من العسكريين بانتظار الحصول على رد الحكومة اللبنانية.الامر الذي استدعى عودة المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم من زيارة أوروبية، لمرافقة وزير الداخلية الى الدوحة، نهاية الاسبوع الحالي، لبحث ملف الاسرى، على هامش المشاركة في أعمال وضع الأسس لجائزة الامير نايف بن عبد العزيز.

واشارت المصادر الى ان المفاوضات كانت قطعت شوطا متقدما مع «جبهة النصرة» حيث تبلغت السلطات اللبنانية عبر الوسطاء لائحة اسماء لاشخاص موقوفين باعمال غير ارهابية من حمل سلاح او التنقل دون اوراق ثبوتية هم محسوبون على فصائل الثورة، فيما اشارت المصادر القضائية الى ان ملف الموقوف عماد أحمد جمعة لا يتضمن اتهاما له بالقيام بأعمال إرهابية، وسط ارتياح عززته تأكيدات تقارير الطب الشرعي من ان جثة الرقيب الشهيد علي السيد مصابة بطلقين ناريين من مسافة متوسطة اديا الى مقتله بفترة وجيزة قبل الاعلان عن ذبحه في شريط الفيديو، الذي اثار شكوك الخبراء نظرا لما تضمنه من عمليات مونتاج، مرجحة ان يكون السيد قد حاول الفرار الا ان المسلحين اردوه،وهو ما يفسر اللغز حول سبب اختيار المسلحين لاحد الجنود السنة.

فقرارات جلسة مجلس الوزراء التي شكلت اختبارا عمليا لمصالح القوى المشاركة في الحكومة ونياتها حيال ملف بالغ الحساسية ومثير للتجاذبات والحساسيات الحزبية منها والطائفية المناطقية، في لعبة الكباش الحكومي، جاءت عمليا على حدّ قول المصادر الوزارية دون المستوى المطلوب، ليخرج منها رئيس الحكومة المنتصر الوحيد بعد ان رمى كرة النار التي تلقفها وحيدا منذ اليوم الاول للازمة في ملعب الحكومة التي سددت هدفا جديدا في شباك قائد الجيش، بوضع الملف في عهدته وتكليف انخاذ اللازم ضمن حدود الحفاظ على سلامة العسكريين.

الواقع ان الأجواء التي واكبت انعقاد جلسة مجلس الوزراء وسبقتْه، بحسب مصادر مقربة من سلام ، عكست تصاعُد الاستياء والغضب لدى رئيس الحكومة، الذي بدا في الأيام الأخيرة كأنه قرر وضع حد حاسم لاختبار وحدة الحكومة في هذا المأزق الخطير، ازاء الازدواجية والمزايدات التي طبعت مواقف قوى سياسية في الثامن من آذار، من خلال تحميل سائر القوى المشارِكة في الحكومة مسؤولياتها في القرار الذي يجب المضي فيه، فإما تكون الحكومة وحدة متراصة وراء اي قرار يُتخذ، وإما فانه لن يقبل بان تستمر حملة المزايدات عليه في وسائل إعلام تابعة لقوى معينة ومعروفة، همسا وفي العلن منذ اليوم الاول، من اتهامه باستلامه الملف بهدف تحقيق مكاسب شخصية على حساب دماء العسكريين، مرورا باتهام اللواء خير زورا بالتدخل في اختيار مذهب المفرج عنهم بايعاز من الرئيس السلام، وصولا الى تحميله وزر تداعيات احداث عرسال، علما انه منذ اليوم ، تضيف المصادر ، كان على تنسيق تام مع قيادة الجيش وعمل على تأمين الغطاء اللازم لها عبر سلسلة الاتصالات التي قام بها في الداخل والخارج، واصراره على الحصول على موافقة قائد الجيش على ما يصفونه «بالتسوية غير المشرفة لمعركة عرسال» والتي وصفها في الاجتماع الامني بالمشرفة للجيش.

واوضحت المصادر ان التفاوض او عدمه واطلاق اسرى او لا يتحول الى تفصيل امام المخطط الجهنمي المرسوم، حيث تتقاطع مصالح تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة» مع اطراف داخلية في سياق مشروع اقليمي كبير من اهدافه اسقاط الحكومة والذهاب الى الفراغ التام، تمهيدا للاطاحة بالصيغة والكيان وبالتالي بالحدود الجغرافية للبلاد، مستعملة اهالي المخطوفين كمطية لتحقيق مآربها، وهو ما ظهر في البيانات «المدسوسة» الصادرة عنهم وفي بعض المواقف التي عاد الاهالي وتنصلوا منها، حيث اكدت تقارير امنية ان جهات حزبية تحاول حرف تحركاتهم عن مسارها محرضة ضد الحكومة ورئيسها، حيث بدا واضحاً طغيان حضور الأهالي من البقاع الشمالي خصوصا الذين أطلقوا كلاما ذهب الى حدود التلويح بخطر حصول فتنة مذهبية في حال قتْل رهائن آخرين من أبنائهم، كما هدّد بعضهم الآخر مباشرة عرسال والنازحين السوريين في حال لم يُطلق أبناؤهم، في استكمال، عن قصد او غير قصد للمخطط الارهابي القاضي باشعال نار الفتنة المذهبية مشددة على ان مصلحة اللبنانيين بكل فئاتهم تقضي بتأكيد لبنانية العسكريين المخطوفين قبل اي طائفة او مذهب والمفاوضة ليست من هذه الزاوية.

وحذرت المصادر من انزلاق الامور الى موقع تصعب العودة عنه، لا سيما اذا ما استمر الخاطفون في اللعب على الوتر المذهبي اللبناني بالاضاءة على هوية العسكريين وفرزهم بين سني وشيعي ودرزي ومسيحي، وانسياق بعض اللبنانيين الى هذا المخطط، مستفيدين من بعض التصرفات الرسمية الخاطئة ومن التقصير غير المقصود الذي حصل، كاشفة ان بعض التقارير الامنية تحدثت عن وقوف جهات حزبية وراء البيانات الصادرة عن اهالي المخطوفين .

تبعاً لذلك فان الساعات المقبلة تتسم بأهمية كبيرة تقول المصادر لجهة بلورة الاتجاهات، خصوصا ان بيان مجلس الوزراء وضع جميع القوى السياسية امام لحظة الحقيقة ليس في شأن مأزق الرهائن العسكريين فحسب، بل ايضا في شأن كل الاحتمالات الأمنية الشديدة الخطورة التي يرتّبها هذا الملف على أوضاع المناطق الحدودية في البقاع الشمالي خصوصاً وامتداداً إلى مناطق اخرى على الحدود الشرقية والشمالية مع سورية، مع انكفاء أهالي العسكريين من الشارع. فلماذا لا تأخذ الدولة اللبنانية القرار ولماذا تنتظر القطري كي يفاوض عنها؟