المسؤولون الأميركيون والفرنسيون والغربيون عموماً المعنيون بشؤون الشرق الأوسط يرون، إستناداً الى معلوماتهم وتقويم أجهزتهم الديبلوماسية والاستخبارية، ان من الخطأ التعامل مع مشكلة الجهاديين المتشددين الذين ينشطون ويضربون في سوريا والعراق ولبنان ودول أخرى على أساس انها مجرد قضية عسكرية – أمنية أو انها “وليد طبيعي” لثورات الربيع العربي، بل ان بروز هؤلاء الجهاديين، الذين يمثلهم خصوصاً تنظيم “الدولة الإسلامية” أو “داعش” و”جبهة النصرة”، مرده الى العوامل الجوهرية الخمسة الآتية :
أولاً – إنهيار صيغة تقاسم السلطة في سوريا والعراق. فالثورة الشعبية التي قلبت الأوضاع في سوريا فجرها أساساً في آذار 2011 رفض مكونات رئيسية من الشعب مواصلة الخضوع لنظام متسلط يحتكر السلطة مع مجموعة مرتبطة به ويرفض مشاركة الشعب في الحكم ومنحه حريته وحقه في التعبير وتقرير المصير من طريق إنتخابات نيابية ورئاسية حقيقية تعددية حرة وشفافة لم يعرفها البلد منذ العام 1963. والصراع البالغ القسوة بين النظام المتمسك بصيغة الحكم القديمة والثورة الساعية الى إيجاد صيغة جديدة عادلة لتقاسم السلطة، يقبلها السوريون في غالبيتهم الواسعة، دمّر البلد وأضعف العلاقات بين مكونات الشعب وسمح بتغلغل الجهاديين الى ساحته. وفي العراق أحبط رئيس الوزراء نوري لمالكي، بدعم إيراني كامل، صيغة لتقاسم السلطة بين الشيعة والسنة العرب والأكراد بطريقة عادلة اتفق عليها الأفرقاء عام 2010، وانفرد بالسلطة ومارس سياسة القمع والإضطهاد للآخرين، فانتفض خصومه من طوائف عدة ضد تسلطه ونشبت ثورة شعبية إنضم اليها الجهاديون بقيادة “داعش” فاستغلوا هذا الصراع وضعف الدولة من أجل بسط نفوذهم وسيطرتهم على أكثر من ثلث الأراضي العراقية.
ثانياً – إنهيار السلطة المركزية. ففي سوريا رفض الرئيس بشار الأسد منذ البداية المطالب المشروعة للمحتجين وواجه الثورة السلمية بالقوة والقمع ومختلف أنواع الأسلحة، فتحولت ثورة مسلحة شارك فيها الجهاديون العرب والأجانب ضد إرادة المعارضة المعتدلة. وأدى ذلك كله الى فقدان النظام قدرته على حكم البلد والى انهيار السلطة الموحدة مما عزز نفوذ “داعش” و”النصرة”. وفي العراق أدت تصرفات المالكي وأعماله الى انهيار السلطة المركزية وبدت القوى العسكرية والأمنية عاجزة أمام هجمات “داعش” وممارساته الوحشية وبات البلد على حافة التفكك والتقسيم مما يعزز نفوذ الجهاديين.
ثالثاً – إستخدام القوى العسكرية والأمنية الرسمية في كل من سوريا والعراق للدفاع عن نظام الأسد وسلطة المالكي وليس من أجل الدفاع عن الوطن والشعب، مما عزز قبضة الجهاديين وساعدهم على ضم المزيد من المقاتلين الى صفوفهم.
رابعاً – فشل إستخدام الخيار العسكري – الأمني في التعامل مع الثورة الشعبية السورية ذات المطالب المشروعة ومع تمرد المكونات الشعبية الرئيسية على السلطة المركزية في العراق ساعد الجهاديين على توسيع نطاق نفوذهم في البلدين.
خامساً – تقصير المجتمع الدولي في التعامل مع حقائق الأوضاع في سوريا والعراق: ذلك ان الدول الغربية لم توفر بسرعة للمعارضة السورية المعتدلة أسلحة متطورة من أجل وقف زحف الجهاديين وضمان نقل السلطة الى نظام ديموقراطي جديد، وامتنعت أيضاً عن ممارسة الضغوط الضرورية على المالكي من أجل تطبيق صيغة تقاسم السلطة المتفق عليها عام 2010 وعدم إخضاع العراق لحكم مكون واحد. وهذا كله ساعد على بروز الجهاديين في البلدين ضد إرادة الغالبية العظمى من أبنائهما.
واستناداً الى مسؤول أوروبي بارز “فإن نظامي الأسد والمالكي فشلا في التعامل مع شعبيهما وهما يتحملان المسؤولية الأولى عن إنهيار الأوضاع وتحول الجهاديين قوة ضاربة مخيفة”. وأضاف: “إن ما يعرقل جهود الجهاديين وخططهم في لبنان ان الأفرقاء فيه متفقون على صيغة مقبولة لتقاسم السلطة وانهم يرفضون السقوط مجدداً في فخ الحرب الأهلية وان القوى العسكرية والأمنية تعمل على حماية البلد وليس على حماية نظام متسلط ومجموعة معينة. كما ان الجهاديين لا يحظون في لبنان ببيئة شعبية حقيقية حاضنة لهم إذ ان السنة معتدلون في غالبيتهم العظمى ويتمسكون بالعيش المشترك ويحرصون على تعزيز السلم الأهلي ودور الدولة وسلطتها الشرعية”.