يعرف تنظيم «داعش» ماذا يفعل ويرمي بضاعته في سوق مهيّأة لتلقّفها. بل إنّ ما فعله ويفعله مع أسرى الجيش اللبناني هو تنفيذ تقني مهني محلّي لإحدى وظائفه الأساسية الإقليمية العامّة.
ووظيفته الأولى هي ترجمة التوعّد الحرفي لبشار الأسد عند بدء اندلاع الثورة عليه في العام 2011، بإشعال المنطقة بين البحرَين الأبيض المتوسط وقزوين بالفتنة المذهبية، ردّاً على محاولات إسقاطه ونظامه المافيوزي الفئوي الهجين (العائلي الحزبي).
ووظيفته الفرعية في لبنان جزء متمّم: لبنان المشلّع والمشتعل يقدّم عيّنة وضّاءة أكثر من غيرها عن طبيعة البدائل المطروحة عن نظام الأسد. وإذا كانت التجارة في السوق العراقية قد فشلت ودفع صاحب البضاعة (الإيراني + المالكي) الثمن من كيسه، فإنّها في سوريا كادت أن تنجح وتهيّج العالم وتضعه أمام خيار الاختيار بين وحشين، واحد يلبس عمامة ويدّعي الخلافة، وآخر يلبس ربطة عنق ويدّعي الرياسة! وجنى الاثنين في بداية المطاف ونهايته لا يختلف إلاّ في ظواهره: قتل ظلامي همجي أرعن لا يتوقّف عند أي حدّ، ولا ينزل تحت أي سقف، ولا تلجمه أي روادع أخلاقية أو دينية أو إنسانية.
وظيفة التهويل «الداعشية» كان لا بدّ لها من أن تلعلع في لبنان وبين اللبنانيين. لكن أُضيف إليها استطراد خاص: «حزب الله» مهموم بإنهاء المعركة في القلمون وإضافة «انتصار» آخر إلى خزائنه المتخمة، ويحتاج كي يفعل ذلك إلى إنهاء الدفرسوار العرسالي في خريطة انتشاره.. ويحتاج لكي يفعل ذلك إلى مقاربة الهدف بطريقة غير مباشرة. ويحتاج كي يفعل ذلك إلى وضع الجيش في الواجهة والوقوف خلفه. ويحتاج كي يفعل ذلك إلى قرار سياسي حكومي مركزي واحد. ويحتاج كي يفعل ذلك إلى إشاعة كمٍّ حرزان من مناخات الهلع والتخويف وتصعيد الاستنفار عند الهلعين والخائفين.. ووحده لا يقدر على كل ذلك!
في مكان ما هنا، تبدو أحجية»داعش» سهلة الحل: ما يفعله يؤكد معرفته الدقيقة بتفاصيل التركيبة اللبنانية، وخطواته التذبيحية تأتي في سياقها الفتنوي العام! وكأنّها مربوطة مباشرة بأسلاك خاصة توصل إلى مكان ما عند أجهزة بشار الأسد.
.. عندما ينقطع الحبل الدموي بين «حزب الله» عندنا وبين بقايا سلطة الأسد، يمكن حينها توقّع أشياء أخرى غير الكارثة الفتنوية الزاحفة علينا!