بارتياح واسع قابلت الاوساط اللبنانية والعربية والاقليمية وحتى الدولية دعوة وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل نظيره الايراني محمد جواد ظريف لزيارة الرياض، وهو أمر كان يتوقعه كثيرون بعد توتر طويل ساد العلاقات بين الدولتين الكبيرتين المتقابلتين على ضفّتي الخليج.
على رغم انّ المطلعين يدركون انّ الدعوة السعودية لظريف لم تأت من فراغ، بل سبقتها اتصالات مباشرة وغير مباشرة جَرت بين الرياض وطهران، آخرها كانت زيارة السفير السعودي في طهران لرئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الشيخ هاشمي رفسنجاني قبل ايام، وبينها وساطات قامت بها دول خليجية كالكويت ودولة الامارات العربية المتحدة وسلطنة عمان التي قيل انها كانت محطة لاتصالات سرية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية على غرار استضافتها لاتصالات سرية بين طهران وواشنطن أدّت الى اتفاق جنيف النووي.
ويرى المراقبون انّ الولايات المتحدة الاميركية قد شجّعت الرياض على هذه الخطوة وأرادتها مواكِبة لاتصالاتها مع طهران حيث قيل انّ الرئيس الاميركي باراك اوباما قد اكّد لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز عندما زار الرياض قبل اسابيع انه لا يريد انجاز اتفاق نهائي مع طهران والرياض خارجه. وشدّد على انّ تفاهماً سعودياً – ايرانياً يصبّ في مصلحة المنطقة وأمنها، كذلك يصبّ في دعم السلم والامن الدوليين. وقيل أيضاً انّ موسكو لم تكن بعيدة عن مثل هذه النصيحة خلال زيارة أكثر من مسؤول سعودي لها، ناهيك عن موقف بكين التي حرصت خلال زيارة وليّ العهد السعودي الامير سلمان بن عبد العزيز اليها على إبداء رغبتها في رؤية انفراج يسود العلاقات السعودية – الايرانية.
ويرى المراقبون انّ الدعوة السعودية لظريف، وإن جاءت متأخرة، قد سبقتها مؤشرات في لبنان، وحتى في سوريا. فالسفير الايراني في بيروت الدكتور غضنفر ركن ابادي قد تحدث أخيراً عن خطوات مهمة ستشهدها العلاقات بين العاصمتين الاقليميتين المهمتين، فيما رأى كثيرون انّ تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام وانجازها بيانها الوزاري ونجاح الخطة الامنية في طرابلس وعرسال كانت كلها مؤشرات على انّ مياهاً دافئة قد بدأت تجري في قنوات الاتصال بين البلدين. وحتى في سوريا فإنّ الاتفاق في حمص الذي أدى الى خروج المسلحين من احيائها القديمة لم يكن بعيداً عن «تشجيع» سعودي لأطراف مسلحة تتلقى دعماً كبيراً من الرياض.
ورأى هؤلاء المراقبون انّ «اتفاق حمص» كان «رسالة سعودية ايجابية»، وأنّ الافراج عن الراهبات المخطوفات في معلولا، وما تلاه من انسحاب المسلحين من يبرود والبلدات المجاورة لها، كان بتشجيع قطري رعاه اتفاق لم يعلن عنه بين رئيس مكتب الامن القومي في سوريا اللواء علي مملوك ورئيس المخابرات القطرية سعادة الكبيسي. ويتحدث المراقبون عن «طبخة ما» تُحضّر في الكواليس حالياً لإنجاز اتفاق مماثل في حلب تتجاوب من خلاله الحكومة التركية مع الرغبات الايرانية ومع المزاج الدولي الآخذ في التحوّل في نظرته الى ما يجري في سوريا، خصوصاً بعد تعاظم خطر المسلحين المتطرفين، فيما بات الاعلام الغربي يتحدث بالتفصيل عمّا يهدّد أمن بلاده من جرّاء انتشار هذا التطرف.