IMLebanon

مَن يَكْذِب في ملف اللاجئين السوريّين؟

ليس هناك ملف داخلي أكثر غموضاً من ملف اللاجئين السوريين والفلسطينيّين في لبنان. فالأقنعة التي يرتديها المتعاطون مع الملف كثيرة، في لبنان وخارجه. وسلوك البعض يوحي بأنّه يبوح بشيء في العلن ويُبيِّت شيئاً آخر! فهل هناك مَن يُخبِّئ ورقة اللاجئين لإستثمارها في مشروع معيَّن؟

في مطلع السبعينات، استُخدم اللجوء الفلسطيني غير المنضبط في لبنان وقوداً لأحداث كبرى. وفي العام 1975، إنفجرت الحرب الأهلية اللبنانية بشرارة فلسطينية، وتحوَّلت حرباً داخلية – إقليمية – دولية بأدوات فلسطينية ولبنانية، ومن ثم سورية وإسرائيلية وسوى ذلك.

وفي معزل عن الإجابة: مَن تآمر على مَن، ولأيّ هدف؟ فالمؤكد أنّ أرضية الفلتان الفلسطينية التي تمَّت تنميتها، في شكل متعمَّد، كان يُراد لها أن تصبح أداة لمؤامرة أو مادة لها. ولاحقاً، إعترف باحثون وسياسيّون فلسطينيّون بحجم الخطأ الذي إرتكبه قادة التنظيمات الفلسطينية في لبنان، داخل المخيمات وخارجها، عندما أصرّوا على إقصاء السلطة المركزية اللبنانية وأجهزتها عن محمياتهم الأمنية.

يومذاك، أُقحِم العامل الفلسطيني في الصراع اللبناني الداخلي، وإنحاز فيه الفلسطينيون حتى قيل إنهم أصبحوا جيشاً لفئة في مواجهة فئات أخرى. وحتى اليوم، يستمرّ الواقع الفلسطيني الشاذّ، وإن كان محصوراً، وهو كلَّف الجيش مئات الشهداء والمصابين في نهر البارد عام 2007. أما مخيم عين الحلوة فيحاول حكماؤه إبعاد كأس البارد عنها، بـ»خطة الأمر الواقع» الأمنية.

ويبدو المسار الذي يسلكه ملف اللاجئين السوريين في لبنان شبيهاً بمسار اللجوء الفلسطيني. فالإختلاف يبدو في التفاصيل لا في الجوهر. ولذلك، يُخشى إنفجار ملف اللاجئين السوريين عاجلاً أو آجلاً.

فعندما بدأ تدفُّق هؤلاء إلى لبنان بالآلاف، ثم بعشرات الآلاف، تعامَت السلطة عن خطرهم، كما يتعامى اللبنانيون عادة عن الأزمات الكبيرة… إلى أن تنفجر. ولم ترتفع إلّا أصوات قليلة، وهي في الغالب أصوات لمسيحيّين، مطالبة بضبط جدّي للفلتان لئلّا تتكرّر فوضى اللجوء الفلسطيني. ولكنّ هؤلاء اتُّهموا بالعنصرية. ولم يقدِّم أحد من «اللاعنصريّين» بديلاً فعلياً يمنع سقوط لبنان ضحية ملف اللاجئين السوريين، كما سقط ضحية ملف اللاجئين الفلسطينيّين. وتلهّى كثيرون بتحويل الملف مجرَّد «أزمة دولارات» يتمّ إستعطاؤها من عرب الخليج والمجتمع الدولي.

ويخشى باحثون أن ينزلق الملف ليكون مادةً للصراع الداخلي الذي كان طائفياً عام 1975 وأصبح مذهبياً، فيتحوَّل اللاجئون السوريون جزءاً من الصراع السنّي – الشيعي. وهذا الإحتمال يبدو وارداً جداً إذا تمّ التأمل في الخصائص الإجتماعية والسياسية التي يحملها هؤلاء معهم من سوريا.

وتوحي تصرّفات بعض المسؤولين اللبنانيين والإقليميين والدوليين، إزاء ملف اللاجئين السوريين في لبنان، بأنّ هؤلاء يخبّئون أهدافاً معينة من وراء مماطلتهم في التعاطي الجدي والحاسم مع الملف. وفي عبارة أخرى، يجدر السؤال: مَن يكذب في ملف اللاجئين السوريين؟ ولأيّ هدف؟

في 8 آذار 2005، أطلقت دمشق تظاهرة لحلفائها في بيروت، بمئات الألوف، تطالب ببقاء قواتها في لبنان. ويقال إنّ الرأي العام في الدول التي كانت داعمة لخروج سوريا تأثّر بالمشهد، وكاد يضغط على الحكومات لتُغيّر رأيها وتقتنع بأنّ الشعب اللبناني، ممثَّلاً بمئات الآلاف، يريد فعلاً بقاء سوريا. وبعد ستة أيام، عندما نزلت الفئات المطالبة بانسحاب سوريا، في تظاهرة 14 آذار المليونية (ربما مليون نسمة)، تَشكَّل إنطباعٌ معاكس وجرى تصحيح الصورة.

ربما ليس بالحراك الجماهيري وحده تُصنع الأحداث الكبرى، أو تتغيَّر المخططات الكبرى. لكنّ الجماهير يمكنها أن تأخذ الأحداث في إتجاهات معيّنة. وهذا هو مغزى القلق في ملف اللاجئين الفلسطينيّين والسوريين الذين يتدفّقون إلى لبنان أسرع بكثير من المتوقع، ومن القدرة على الإستيعاب، بلا أفق للعدد أو للعودة.

وصحيح أنّ العنصرية «بغيضة»، لكنّ التهاون أو التآمر لإسقاط البلد «جريمة». فما الذي يريد أن يصنعه بعض اللاعبين الكبار من ملف اللاجئين السوريين والفلسطينيّين، بعدما تجاوزوا المليونَي نسمة، في بلد الأربعة ملايين والـ10452كلم2… وقد يصبحون 3 ملايين أو 4 أو أكثر؟