كما كان منتظرا، ولان القديم مستمر على قدمه، وعملا بالمثل القائل «يلي بغير عادته بتقل سعادته»، لم تحمل جلسة الانتخاب التاسعة اي جديد، في ظل المخارج غير الممكنة المطروحة من تعديل دستوري يتيح انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، او إجراء الانتخابات النيابية اولاً. فوحدها الايام تتغير تقول مصادر متابعة والذي جديدها 12 آب، في مكرمة مجلسية جديدة باتجاه بكركي، عل الوقت الفاصل حتى تاريخه تتمخض عن «رئيس هجين» يلقى قبولاً لدى الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط ومعهما «حزب الله»، الذي يميل للتوصل الى تسوية حول الرئيس نتيجة تطورات الوضع في العراق والضغوط التي يتعرض لها على الحدود السورية اضافة الى العامل الاقليمي المتمثل في تمديد مهلة الحوار الايراني – الاميركي حول الاتفاق النهائي في شأن النووي لاربعة أشهر قد تشكل فرصة اضافية لتمكين المساعي الداخلية من استدراج حل للمأزق الرئاسي.
«فـالعصا» المطلة من سوريا والعراق وغزة عبر الارتدادات الأمنية والسياسية تفاقم على حد قول المصادر انعدام الوزن الداخلي، تقابلها «جزرة» الاستقرار المهتز الواقع على تقاطُعات المصالح الاقليمية والدولية، من المعارك القاسية على التخوم الشرقية للحدود والصواريخ «اللقيطة» العابرة للحدود الجنوبية، والقلق المتعاظم من جراء تهجير مسيحيي الموصل . مؤشرات توحي بان مرحلة ما بعد عيد الفطر ستشهد تكثيفاً للحِراك انطلاقاً من «خريطة الطريق الحريرية» التي رسمت بقلم عربي ويد غربية بحسب مصدر في 14 اذار، رغم ان «الطبخة القاتلة» قد تطول ظروف نضوجها، ما دامت ذيول «الغزوات الداعشية» و«الجرف» الاسرائيلي لغزة والعلاقات السعودية – الايرانية في اسوأ مراحلها،ما قد يدفع باتجاه فرض امر واقع على «الساخن»، ما دام الافرقاء مصرون على اجهاض المبادرات مداورة، حتى قبل ان تولد .
مصادر دبلوماسية مطلعة، ابدت خشيتها الكبيرة على تطور الاوضاع في ظل تراجع المساحات المظللة بالاستقرار الذي امنه القرار الخارجي سابقا ، مع تجاوز الواقع الامني الخط الاحمر المرسوم دوليا خصوصا بعدما تمدد تنظيم «داعش» من العراق الى سوريا ملغيا الحدود بين الدولتين، وفتح «حزب الله» الجهبة الشرقية مع «جبهة النصرة» ومسلحي المعارضة السورية في الغاء آخر «للحدود الشكلية» التي ظلت قائمة لعقود بين سوريا ولبنان، ما يؤسس لمخاطر واسعة على المسرح اللبناني، ذلك ان لبنان بات مستهدف ايا كانت طبيعة التطورات في العراق وسوريا.
تبعا لذلك، ترى مصادر فاتيكانية وجوب دخول راعيي الوضع اللبناني دوليا، روسيا والولايات المتحدة الاميركية بما لهما من تأثير على القوى الاقليمية المتحكمة بورقة الرئاسة في لبنان على خط المعالجات وممارسة الضغط عليها لانهاء حالة الفراغ الرئاسي الشاذة قبل انفجار البركان الاقليمي برمته من البوابة اللبنانية، عن ضغوط دولية جديدة تمارس على الأفرقاء المعنيين للاسراع بانتخاب رئيس للجمهورية، لافتة الى أنّ نقطة الانطلاق هذه المرة من قضية مسيحيي الموصل ووجوب الحفاظ على الموقع المسيحي الأبرز في المنطقة ،في ظل النموذج اللبناني الفريد.
فاخفاق القيادات المسيحية في التوصل الى توافق تقول المصادر الديبلوماسية ، معطوف عليه رفض القيادات الاسلامية الدخول في لعبة اختيار الرئيس المسيحي او طرح اسماء والاصرار على الوقوف خلف موقف بكركي وسيدها، لالف سبب وحجة،ساهم في اخراج الاستحقاق من عنوانه «الملبنن» الى دائرة التدويل والتعريب، بحيث اصبح بحكم الامر الواقع، انتظار الجميع في الداخل، تقاطع مصالح الخارج حول الشخصية المحظوظة، ليترك للطرف اللبناني آلية الاخراج البرلماني استنادا الى تسوية تتقاسم فيها الاطراف السياسية الحصص والمغانم.
انطلاقا من ذلك يدخل المشهد اللبناني، مع انقضاء عطلة عيد الفطر، مرحلة جديدة ، مع بروز تحركات متجددة تتولاها بعض الجهات الديبلوماسية ومن بينها السفير البابوي في لبنان الذي اطلق «المرحلة الاولى» من مسعى فاتيكاني داخل البيئة المسيحية، بعيدا عن الاعلام، لحض القادة المسيحيون على توافق «الحد الادنى»، تحت السقف الذي رسمته بكركي، سعيا للملمة الوضع المسيحي وتسوية بعض الملفات الحيوية، في محاولة لتحريك الجهود المتصلة بأزمة الفراغ الرئاسي، بدفع خارجي، تخرقه التساؤلات حول موقف طهران الملتبس ورفضها المتكرر لطلبات أكثر من طرف لبناني ممارسة الضغوط على حلفائها لانجاز الاستحقاق الرئاسي، رغم الحديث عن انفتاح ايراني باتجاه الكتائب، بعد اللقاء الذي جمع السفيرين البابوي والايراني في بيروت، تزامنا مع اطلاق تيار المستقبل لآلية عمل مبادرته التي اعلنها رئيسه، بدأت بلقاءات للرئيس السنيورة، الذي اعيد تكليفه بالملف الرئاسي بعد سحبه منه لفترة،مع مسيحيي الرابع عشر من آذار لوضع اللمسات الاخيرة على الخطة «ب» لهذا المحور.
رهان قد يكون في غير محله، في ظل غياب اي معطيات من جانب فريق الثامن من آذار، المتضامن مع رئيس تكتل الاصلاح والتغيير العماد ميشال عون، الرافض حتى الساعة البحث عن توافُق على مرشح يحظى بأوسع تغطية سياسية. وضع عززته عودة السجالات المباشرة وبالواسطة على محور الرابية – بيت الوسط، رغم اشارة مصادر مطلعة إلى أنّ الجنرال يحاول قدر المستطاع ضبط المواقف العنيفة و«المتفلتة» بحق رئيس الحكومة السابق سعد الحرير ، رغم اقتناعه أن «خارطة الطريق» التي أطلقها الاخير موجهة ضده بالتحديد.
اذا كانت الطموحات الرئاسية دفعت بالعماد ميشال عون الى اعتماد الخط الوسط، محاولا تمهيد الطريق الى بعبدا، عبر التفاهم مع الرئيس سعد الحريري، وهو ما افضى الى تشكيل الحكومة السلامية وبتسهيل امورها بالحد الادنى، فإن الصورة بدأت تتبدل مع اطلاق الحريري مبادرة الست نقاط الرئاسية، حيث ادرك الجنرال ان خارطة طريق رئيس تيار المستقبل لن توصله الى قصر بعبدا.