تكتسب الحملات السياسية المتصاعدة بين فريقي السلطة على خلفية الاستحقاق الرئاسي طابعاً مقلقاً كونها عادت لتتخطى حدود الحرص على استقرار الساحة الداخلية وتتناول جوانب دقيقة تدفع نحو زيادة منسوب التوتر الذي يفتح المجال مرة جديدة الى توتر أمني تستفيد وتسعى اليه الجماعات الارهابية المتطرفة التي عادت لتتحرك على محور ملف الجنود المخطوفين من خلال ابتزاز الحكومة اللبنانية من جهة على محور الواقع الامني في منطقة جرود عرسال حيث زاد التحرك المسلح من جهة اخرى. وبرأي مصادر نيابية «وسطية» فان التطورات على المستوى الداخلي، السياسية والاجتماعية كما الامنية، لم تعد تحتمل ترقب تطورات المنطقة وانتظار التسوية المرتقبة بين ايران والولايات المتحدة الاميركية والحرب الدولية ضد تنظيم «داعش» في العراق وسوريا.
وقالت ان السياسة الاميركية التي تشهد ارباكاً ازاء الواقع العراقي بحيث باتت تسعى للتعاون مع رموز النظام السابق الذي أطاحت به، وتنسّق مع طهران في سبل تطويق امتداد «داعش» المخيف، ما زالت غير مستقرة على مقاربة موضوعية ازاء ملفات المنطقة بحيث تتغاضى مع الارهاب الاسرائيلي المتمادي في قطاع غزة حيث تسجل المجازر بحق الشعب الفلسطيني. واعتبرت ان هذا الواقع ينعكس بقوة على الساحة اللبنانية التي تترقب مسار الرياح الدولية والاقليمية، لانتاج تسوية رئاسية تخرج هذه الساحة من حال المراوحة القاتلة.
وفي هذا الاطار كشفت المصادر النيابية «الوسطية»، ان كل الحراك الداخلي الذي يسجل على مستوى المبادرات التي تقودها بكركي من جهة و«الوسطيون» من جهة اخرى، لم يرتقِ بعد الى مستوى إحداث تحول في الاصطفاف الحالي لتمكين مجلس النواب من انتخاب رئيس جديد للجمهورية في الاسبوع المقبل، لكنها في الوقت نفسه لفتت الى ان اصداء تتردد في الكواليس السياسية عن مسعى فاتيكاني مدعوم اوروبياً وسعودياً للبحث في توافق فريقي 8 و14 آذار حول مرشح توافقي لا يكون محسوباً على اي من الطرفين…
واذا وجدت المصادر انه من الصعب اقناع الرافضين بوصول مرشح توافقي الى رئاسة الجمهورية، اكدت ان اعادة فتح قنوات الحوار بين القيادات السياسية قد يساهم في تحضير المناخ الداخلي، المحتقن حتى الساعة، للتسوية المرتقبة. وأضافت ان استمرار التشنج وفشل المبادرة الفاتيكانية سيؤدي الى مزيد من التدهور والانهيار خاصة وان عناصر عدة قد دخلت على خط الوضع الداخلي ومنها ما هو متصل بالارهاب ومنها ما هو متصل بالخطر الاسرائيلي الداهم مع تكرار عمليات قصف الصواريخ المجهولة من الجنوب، لتوسيع رقعة العدوان الاسرائيلي من غزة الى جنوب لبنان.
وفي مجال السعي المحلي والاوروبي الذي يبذل لانهاء الفراغ الرئاسي، تقول المصادر تأتي زيارة البطريرك بشارة الراعي الى الفاتيكان والتي تحمل الاستحقاق الرئاسي عنواناً بارزاً على جدول لقاءاته وتحركاته على ان تواكبها محلياً جولات يقوم بها النائب وليد جنبلاط على مرجعيات وقيادات داخلية فيما تنشط اتصالات ديبلوماسية مع القوى السياسية الفاعلة المعنية بهذا الاستحقاق وفي مقدمها الاقطاب الاربعة على الساحة المسيحية، واكدت المصادر نفسها انه لم ترشح ايّ ملامح ايجابية او سلبية عن هذا الحراك المتعدد الأوجه، لافتة الى ان ترتيب التسوية الرئاسية يتطلب تفاهماً يتخطى الاطراف الساعية الى انجاز الانتخابات الرئاسية الى قوى اقليمية ودولية فاعلة اي الى عواصم القرار في المنطقة وفي الغرب، وذلك على غرار التفاهم الذي حصل عشية اتفاق الطائف او اتفاق الدوحة، عندما أتت التسوية بعد تطور امني او حدث كبير في المنطقة. واضافت ان استعجال القوى المحلية الى انجاز التفاهم الداخلي بين فريقي 8 و14 اذار ومن خلال حوار مباشر بين تيار «المستقبل» و«حزب الله»، يهدف الى تفادي اي امتحان أمني وهو ما تتخوف منه اكثر من عاصمة متابعة للوضع اللبناني وللتطورات الامنية في العراق وسوريا.