IMLebanon

«مِنْ يقولو» في الصالونات!

ثمة عبارة مأثورة لم يكف البطريرك نصرالله صفير عن تردادها: «مِن يقولو».

كان يعني بذلك، وهو يستقبل يومياً مواطنين يحملون إليه شكاويهم وتذمرهم وامتعاضهم من مضايقات أو سوء حال أو عدم رضى عما يجري، فينقل البطريرك شكاويهم تلك بصوت عال كي يصغي إليها المعنيون بالأمر.

هكذا درجت باللهجة الكسروانية: «مِن يقولو».

&&&

في صالونات المجتمع المسيحي شيء مماثل من «مِن يقولو». نقاش حاد حول الرئاسة الأولى. يبدأ في الغالب الحديث بالاسئلة الآتية:

÷ ان لم نستطع ان نأتي بأحد زعمائنا للرئاسة، أليس هناك ماروني غيرهم يصلح للمركز؟

÷ هل خلا الموارنة من شخصيات مناسبة؟

÷ شو بيشكي قائد الجيش؟ اللي قبلوا أحسن منو؟

يأتي الجواب في معظم الاحيان بردّين:

{ اولهما، ان لبنان جرّب في الرئاسة الاولى منذ تسعينيات القرن الماضي، بموافقة مسيحية أو من دونها، شخصيات مارونية غير قيادية وكانت دائماً الحال تتدرج نحو الأسوأ. المسيحيون وسواهم من اللبنانيين خائفون ومحبطون ويهاجرون، ولبنان في حال أمنية غير مستقرة. لا أحد يحترم رئيس جمهورية حياديا بصلاحيات دستورية معدومة، لأن لا قاعدة شعبية له. حتى أن ضابطاً في جهاز أمني رفض علنا طلبا بسيطا من رئيس الجمهورية السابق، فكوفئ في ما بعد بأن أصبح وزيراً.

{ ثانيهما، ان قائد الجيش العماد اميل لحود انتخب رئيساً (1998) مكافأة له على إعادة بناء الجيش وقد ظهرت صفاته القيادية والإدارية، ومن ثم ـ يضيف حديث الصالونات ـ يستطيع قيادة البلاد بالطريقة نفسها في حال انسحاب السوريين، لأن الجيش يدين له الولاء. الا أن الوصاية السورية فرضت عليه قائداً للجيش عرف بعمله الهامشي خلال الحرب اللبنانية ومرحلة إعادة بناء الجيش. ومنذ تعيينه أصبح هو القائد الفعلي للجيش من دون مشاركة بعد انتهاء عهد الوصاية، لأن الجيش اللبناني نظامي وانضباطي. ينفذ ثم يعترض اذا اعترض. ولكن للأسف، يبدأ القائد الجديد للجيش عمله بوضع خريطة طريق وصوله الى الرئاسة الاولى على حساب اهتمامه بالمؤسسة العسكرية. لذلك، يقول حوار الصالونات، ان الاستمرار في اختيار قائد الجيش للرئاسة يضعف الجيش كمؤسسة وطنية جامعة وفاعلة، ويهزّ الاستقرار وكيان الوطن. تالياً من الحكمة إبعاد الجيش بضباطه وعديده عن السياسة. أياً تكن مهنيته في خدمة الجيش والوطن، تترجم قرارات القائد على نقيض أهدافها عندما يصبح مرشحاً محتملاً للرئاسة.

&&&

يسأل البعض في صالونات المجتمع المسيحي، هل كان من المرجّح أن تبدو الحال اللبنانية أفضل لو مدّد للرئيس ميشال سليمان او انتخب رئيس جديد على صورته؟ الجواب في معظم الأحيان: «شو بدو يعمل رئيس ما عندو صلاحيات؟» لذلك يقول البعض إن حكومة الرئيس تمام سلام أصبحت بمثابة مجلس رئاسي من 24 عضواً. إذا كان انتاجها أقل من المنتظر (برغم أنه في ستة أشهر فاق إنتاج الحكومتين السابقتين في عمريهما كاملين)، فلأن أعضاءها لم يتمرسوا بعد على النظام الجديد للحكم. يضيف هؤلاء بأن التعددية والتنوع اللبنانيين، إلى النفوذ الاقليمي العميق مع معظم مكوّنات الوطن، قد تتطلب نظاماً شبيهاً بالنظام السويسري التوافقي الذي يرأسه مجلس رئاسة صغير يصنع قراراته بالاجماع، ويتناوب اعضاؤه على الرئاسة الاولى سنوياً.

&&&

يرفض معظم المسيحيين الادعاء بأن كرة الرئاسة في حضن القيادات المسيحية. لم يختر المسيحيون مرة رئيساً للجمهورية منذ الاستقلال. كان المسلمون دائماً يرجّحون كفة أحد مرشحيهم. ولكن لنفترض جدلاً ان القادة المسيحيين فاجأوا اللبنانيين واختاروا أحدهم للرئاسة، هل من المؤكد أن المسلمين بأحزابهم الرئيسية الاربعة يقبلون خيار القادة المسيحيين؟ وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أكد للبطريرك صفير، خريف 2007، أن في حوزته موافقة خطية من قيادتي السنّة والشيعة على اختيار أحد الذين يرشحهم البطريرك للرئاسة الاولى. ماذا حصل؟ رفضت القيادتان المرشحين الستة الذين قدّم البطريرك لائحة بهم الى كوشنير.

انتخاب الرئيس، بحسب ما يتفق عليه حوار الصالونات، يجب ان يكون خياراً لبنانياً وليس مسيحياً. وهكذا يجب ان يكون اختيار رئيس الحكومة وانتخاب رئيس مجلس النواب.

&&&

في صالونات بيروت يتفق كثيرون على أن الجيش وقوى الأمن كانا ما بين السندان والمطرقة في عرسال. أهالي البلدة معروفون بولائهم وتعاطفهم مع كل أنواع منظمات المعارضة السورية. لكن البلدات المحيطة بعرسال تختلف في نظرتها عنهم، ومنها مَن تساعد النظام السوري في محاربته منظمات المعارضة تلك. لذلك وضع الجيش وقوى الامن محرج، خاصة أن الجيش خسر سابقاً في كمائن في عرسال عدداً من ضباطه وجنوده وهم يقومون بمهماتهم في البلدة ومحيطها. ولأن الجيش لا يمكنه معاداة بلدة لبنانية بسبب انتمائها وميولها وعواطفها السياسية، كان من الافضل للمسؤولين في الجيش وقوى الأمن أن يختاروا بين طريقين: إما أن يكون وجود الجيش والأمن الداخلي في عرسال قوياً بإمكانات رادعة لأي هجوم على مراكزهما والقيام بهجوم مضاد إذا لزم الأمر، أو التمركز خارج البلدة وترك الامن داخل عرسال لحرسها المحلي. إن الانتشار الرمزي للجيش داخل عرسال وخارجها على نحو ضعيف غير معزّز بقواعد إمداد، يضعه حتماً في ضعف استراتيجي على القيادة تجنبه.

&&&

قاربت معظم القوى المعادية للإرهاب والتكفير في الصالونات الخطاب الأخير للسيد حسن نصرالله بكثير من الجدية، وخاصة تناوله مظلة الحماية الدولية. قد يهتم المجتمع الدولي اليوم بمساعدة المظلوم، لكن ذلك يتم في الغالب بعد «خراب البصرة». اجتاح صدام حسين الكويت في الأول من آب 1990، وكان الرد الدولي عليه منتصف شباط 1991. من حسن حظ الكويتيين أن الزمن كان صيفاً، ومعظمهم كان خارج الإمارة عند الاجتياح، والقلة التي لبثت هناك هربت الى السعودية ولم تنتظر نجدة مباشرة من الحلفاء والاصدقاء والرعاة الدوليين. لكن ما الذي يحلّ بشعب يواجه هجوماً مباغتاً كما حصل للمسيحيين والايزيديين والشيعة والاكراد والتركمان في منطقة الموصل؟ هل ينتظرون الحماية الدولية؟ ماذا كان يمكن أن يقع بأكراد اربيل والسليمانية لو لم تكن لديهم قوى عسكرية تدافع عنهم؟ ما هي الانعكاسات والدروس على لبنان؟ هل يعني ذلك أن على «الآخر المختلف» عن التكفيريين أن يتسلح أو أن يهرب؟

«مِن يقولو» إن بعض المناطق اللبنانية بدأت تتناسى خلافاتها المحلية وراحت تتدرّب على حمل السلاح. فهل يمتد حمل السلاح الى كل لبنان؟