إذا وافق الرئيس رفيق الحريري، بما يمثّل، على ترشيح رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية فإنّ ذلك «سيكون من علامات قيام الساعة»؟!
قالها قطب سياسي بارز لسائله حول مدى جدية ما يتردد من انّ الحريري، وافق او سيوافق، على عون «مرشحاً رئاسياً توافقياً»، ليؤكد «استحالة» حصول هذه الموافقة الحريرية، وليكشف بالتالي عن انّ عون يدرك انّ الحريري وحلفاءه في قوى 14 آذار ومن دوَل تدعمهم ليسوا مؤيّدين لترشيحه. لكنّ عون، وعلى رغم هذا الادراك، يواظب ومعاونيه على إشاعة أجواء ومناخات ايجابية حول «اتفاق» مزعوم، ويوحون أنه على وشك الحصول بين التيارين «الأزرق» و»البرتقالي»، هادفين من ذلك الى حشر الحريري الذي يستأخِر حتى إشعار آخر الجَهر بعدم موافقته على ترشيح عون لاعتبارين: الاول، لأنّ حلفاءه الخارجيّين يريدون استئخار هذا الاعلان لأسباب تتصِل بمصالحهم وتكتيكاتهم السياسية الراهنة والمستقبلية، والثاني لأنه يعتقد انّ اعتماده «الغموض البنّاء» إزاء ترشيح عون قد يؤدي الى تفكيك أواصر فريق 8 آذار عموماً، ويصدّع العلاقة بين «التيار الوطني الحر» وحزب الله تحديداً. وذلك بعدما كاد ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع يصدّع العلاقة بين أركان فريق 14 آذار، ولم يعرف بعد ما اذا كانت لقاءات باريس بينه وبين الحريري قد أزالت نهائياً مخاطر هذا التصدّع أم لا.
ويضيف هذا القطب انّ عون الذي أدرك ان لا حظوظ له بالوصول الى رئاسة الجمهورية، يريد من إشاعة «الأجواء الايجابية» حول المفاوضات الجارية بينه وبين الحريري، أن يكون له دور مؤثر في اختيار رئيس الجمهورية العتيد. والامر نفسه ينطبق على رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الذي يدرك ان لا حظوظ له في الفوز برئاسة الجمهورية ويعتقد انّ ترشيحه وما أحدثه من تفاعلات سياسية داخل فريق 14 آذار وخارجه، مَكّنه من حجز دور مؤثّر في اختيار رئيس الجمهورية العتيد.
وفي ضوء ذلك، يقول القطب انّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية سيتأخر بضعة اشهر تتبلور خلالها شخصية هذا الرئيس، فبعد اعلان جعجع انه مستعد لسَحب ترشيحه اذا توافقت قوى 14 آذار على مرشح آخر، يتجه هذا الفريق قريباً الى تسمية مرشح من صفوفه مُضفياً عليه الصفة التوافقية، على ان يتدرّج به الأمر لاحقاً، بعد ان يكتشف ان لا حظوظ لهذا المرشح الآذاري، الى البحث مع الآخرين في أسماء مرشحين آخرين، يتّسمون فعلياً بصفة التوافق ويمكن ان يشكّلوا نقطة تقاطع بين الجميع.
ويؤكد القطب نفسه انّ الفترة المقبلة التي ستبدأ بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ليل 24-25 الجاري، ستشهد حركة اتصالات ومشاورات واسعة تمتد لأشهر بين القوى السياسية الداخلية، ومع عواصم القرار الاقليمي والدولي، من أجل تظهير المرشح الرئاسي التوافقي. ويشير الى انّ منطلق هذه الحركة سيكون داخلياً في البداية، اذ يفترض أن تبدأ قريباً لقاءات بين قيادة تيار «المستقبل» مع كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري وقيادة «حزب الله»، والبعض لا يستبعد انعقاد لقاء قريب بين بري ورئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة الذي كان توجّه قبل يومين الى باريس للقاء الحريري ومشاركته مشاوراته الرئاسية، وذلك في ضوء بعض المعطيات التي رشحت من لقاءات عقدها السفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري مع بعض القيادات والمرجعيات، ونقل اليها دعم الرياض للتوافق اللبناني على أي مرشّح لرئاسة الجمهورية.
وخلال هذه اللقاءات سمع العسيري ملاحظات أبداها احد المراجع إزاء تعاطي الحريري مع الاستحقاق الرئاسي الذي تحرص المملكة العربية السعودية على إنجازه توافقياً، ومن هذه الملاحظات انّ الحريري في الوقت الذي يفاوض عون ويحاوره موحياً باحتمال التوافق معه على ترشيحه، يواظب في المقابل على تأكيد تبَنّيه ترشيح جعجع، مع العلم انه يدرك جيداً ان ليس هناك من حظوظ لا لعون ولا لجعجع بالوصول الى سدّة رئاسة الجمهورية.
ويعتقد القطب إيّاه انّ هذه الملاحظات هي التي دفعت الجانب السعودي الى إبداء مزيد من الاهتمام بالاستحقاق الرئاسي من باب المساعدة على إنجازه من دون التدخّل فيه مباشرة، لأنّ الرياض، ووفق ما تعلن، تعتبر أنّ اختيار الرئيس العتيد شأن داخلي على اللبنانيين أن يتولّوه بأنفسهم.
ويشير هذا القطب الى انّ الاستحقاق آيل الى انتخاب رئيس توافقي سيتبلور من بين بعض الاسماء المتداولة، والتي لكلّ منها الآن مَن يؤيّدها هنا ويعارضها هناك، قبل ان تؤدي المشاورات والاتصالات الى اختيار الرئيس العتيد بالتوافق بين الجميع، أو بين غالبية القوى السياسية على الاقل. ويرى انّ المَسار الذي سيتخذه الاستحقاق الرئاسي انما سينطلق في ضوء التطورات الاقليمية والدولية والتي ستبلور شيئاً فشيئاً المشهد العام لمستقبل المنطقة، والذي سيشكّل فيه الحوار السعودي- الايراني المرتقب محطة مفصلية. وهذا الحوار لن يكون مستعجلاً، على الارجح، لأنّ إيران اعتبرت الدعوة التي وجّهها وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل لنظيره الايراني محمد جواد ظريف لزيارة الرياض هي دعوة مفتوحة وغير محددة بزمن، ويبدو انّ طهران ستوفِد مساعد وزير خارجيتها امير عبد اللهيان الى العاصمة السعودية قبل ان يزورها ظريف الذي ستمهّد محادثاته لزيارة يقوم بها الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني لاحقاً الى الرياض، ويرجّح البعض ان تكون في خلال الايام العشرة الاواخر من شهر رمضان المبارك التي تصادف أواخر تموز المقبل، حيث تكون هذه الزيارة في تلك الأيام مناسبة حج ديني وسياسي في آن معاً، يعوّل عليه ان يفتح صفحة جديدة في العلاقات السعودية ـ الايرانية من شأنها أن تنعكس إيجاباً على مجمل الاوضاع في لبنان والمنطقة.