تجمع المتضررون من تأخير إقرار سلسلة الرتب والرواتب، من موظفين في القطاع العام ومتعاقدين وأجراء ومعلمين في المدارس الرسمية والخاصة، في تحرك مطلبي حاشد أمس في بيروت، ونظموا تظاهرة شارك فيها الآلاف، بعد تنفيذهم إضراباً عاماً شمل الإدارات والمؤسسات العامة التي اكتفى بعضها بالتوقف عن العمل لبعض الوقت، إضافة الى الشلل في المدارس الرسمية وعدد كبير من المدارس الخاصة. (للمزيد)
وانطلق المتظاهرون من أمام مبنى مصرف لبنان في بيروت احتجاجاً على تحفظاته عن أرقام السلسلة والملاحظات التي أبداها حاكمه رياض سلامة في مجلس النواب مطالباً بخفض ارقامها وتقسيطها، وتوقفوا أمام غرفة التجارة والصناعة ثم جمعية المصارف تعبيراً عن رفضهم لاعتراض أرباب العمل ورجال الأعمال على إقرار السلسلة، وصولاً الى ساحة رياض الصلح، قرب السراي الحكومية الكبيرة ومبنى مجلس النواب.
وحمل المتظاهرون الذين هتفوا ضد النواب والهيئات الاقتصادية لافتات تدعو الى تمويل سلسلة الرتب من وقف الهدر والفساد في مؤسسات الدولة وتهاجم المصارف متهمة إياها بنهش الفقراء.
وفيما ينفذ الاتحاد العمالي العام إضراباً عاماً اليوم ويقيم تجمعاً في ساحة رياض الصلح، فإن التحرك المزدوج عكس تبايناً بينه وبين هيئة التنسيق النقابية التي تحدث باسمها رئيس رابطة الأساتذة الثانويين حنا غريب، فيما واصلت اللجنة المختلطة النيابية – الوزارية التي تضم اختصاصيين اجتماعاتها من أجل خفض أرقام السلسلة وتقسيطها والتأكد من أرقام الواردات ورفع جباية الرسوم الجمركية التي تشهد تحايلاً على دفعها في المرافئ.
ورأى غريب أن تقرير اللجنة المختلطة في شأن السلسلة المنتظر إقراره هذا الأسبوع ولد ميتاً ولن نقبل بسلسلة يدفعها فقراء لبنان (فرض ضرائب جديدة لتمويلها). وأضاف: «لن نقبل إلا بتمويل السلسلة من الهدر والصفقات والفساد ومن فرض ضرائب على حساب حيتان المال»، ودعا نقيب معلمي المدارس الخاصة نعمة محفوض الى حفظ حقوق الفقراء أو العودة الى التحرك في الشارع ونحن ذاهبون في التصعيد حتى الإضراب المفتوح وتعطيل الامتحانات.
وحصل تحرك أمس المطلبي عشية الجلسة النيابية المقررة اليوم لانتخاب رئيس الجمهورية، والتي يتزامن معها تحرك الاتحاد العمالي العام. وفيما أكد «حزب الله» دعمه التحرك العمالي والنقابي، ينتظر أن يتغيب نوابه وحلفاؤه عن الجلسة النيابية لإفقادها النصاب بالتناغم مع «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي بزعامة العماد ميشال عون الذي قال أمين سره إبراهيم كنعان بعد اجتماعه الأسبوعي أمس: «لا لجلسات فولكلورية ما لم تتوافر المواصفات لنجاح أي مرشح للانتخابات الرئاسية يكون قوياً في بيئته وقادراً على الجمع».
وبينما ينتظر أن تحضر نواب قوى «14 آذار» التي تستمر في دعمها ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، و «اللقاء النيابي الديموقراطي» برئاسة وليد جنبلاط الذي يستمر مرشحه هنري حلو في خوض المعركة، وكتلة «التنمية والتحرير» برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري، وهو عدد غير كاف لتأمين نصاب الثلثين، فإن الجلسة ستشهد غياب عدد من نواب «14 آذار» والوسطيين لوجودهم خارج البلاد، نظراً الى القرار المعلن لدى تكتل عون و «حزب الله» وحلفائه بعدم تأمين نصاب الجلسة منعاً لإجراء الدورة الثانية من الاقتراع والتي تتطلب أكثرية 65 نائباً لفوز المرشح بالرئاسة. وقد يحضر بعض نواب عون والحزب من دون دخول القاعة العامة للمجلس النيابي.
وعشية الجلسة بقيت الاتصالات حول الاستحقاق الرئاسي للتوصل الى توافق على مرشح بديل لجعجع وحلو محصورة، وكان محورها زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي انتقل الى باريس أمس وعقد بعد ظهر أمس، اجتماعاً مطولاً دام نحو 5 ساعات مع وزير الخارجية جبران باسيل موفداً من العماد عون، الذي يعوِّل كما ردد عدد من أعضاء تكتله النيابي، على دعم تيار «المستقبل» له كي يترشح رسمياً للرئاسة. وقالت مصادر مقربة من الحريري إن البحث تناول الاستحقاق الرئاسي «وهناك توافق في وجهات النظر على ضرورة تجنب الفراغ الرئاسي، وعلى أهمية توسيع الاتصالات السياسية مع فرقاء آخرين للعمل على أن يحصل الاستحقاق في وقته».
وأوضحت المصادر أن الحريري وباسيل «أجريا تقويماً إيجابياً لتجربة الحوار بين الطرفين منذ تأليف الحكومة والاستحقاقات التي واجهتها من خطة أمنية وتعيينات، واعتبرا أنه حوار يعطي نتائج إيجابية للبلد. كما اتفقا على استمرار المشاورات».
وقال الوزير باسيل لـ «الحياة» إن البحث «فُتح وكان إيجابياً، ونحن سوياً لا نريد الفراغ ونريد انتخاب الرئيس، وكل الاحتمالات موجودة والحديث إيجابي ليس من منطلق الرئاسة فقط إنما حول التعاون المشترك الذي يجب أن يحصل». وعما إذا كان عون سيلتقي الحريري قال باسيل «إن لا شيء مبرمجاً».
وعما إذا كان الاتفاق على تجنب الفراغ سيؤدي الى ترشح العماد عون، أجاب باسيل: «إن ترشيح العماد عون مرتبط بالتفاهم مع سعد الحريري. وهذا أمر واضح».
وكان الحريري التقى في جدة أول من أمس موفد جنبلاط وزير الصحة وائل أبو فاعور، الذي التقى أيضاً وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل. وزار أبو فاعور الرئيس بري، الذي كان اجتمع أيضاً الى النائب غازي العريضي. وأشار الأخير الى الدور الوطني الجامع لبري، معتبراً أن التحدي الكبير هو الجمع والتوافق.
وبموازاة اجتماع الحريري مع باسيل، أعلنت كتلة «المستقبل» النيابية في بيان لها بعد اجتماعها برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة أن المشاركة في جلسة اليوم هي من صلب العمل الديموقراطي البرلماني، معتبرة أن تداول السلطة عن طريق الاقتراع الحر هو في جوهر النظام اللبناني ولذلك فهي ستشارك في الجلسة. ورأت الكتلة أن من حق أي مرشح أن يعلن ترشيحه ضمن المنافسة المشروعة والمجال مفتوح لفوز من يحصل على الغالبية، وأكدت أن جعجع هو المرشح الذي أجمعت عليه قوى «14 آذار والكتلة تدعو النواب للاقتراع له، مؤكدة أن برنامجه يمثل تطلعات الأكثرية الساحقة من اللبنانيين.
وإذ رفضت الكتلة المسّ بالحريات في تناولها ادعاء المحكمة الخاصة بلبنان على وسائل إعلامية لبنانية معتبرة أن لوسائل الإعلام الحق في انتقاد المحكمة وتقويم عملها، اعتبرت أن القضية المثارة الآن «ليست قضية انتقاد عملها، بل نشر أسماء وصور الشهود المزعومين وتعريض حياة ومستقبل مواطنين للخطر والتهديد وهذا هو جوهر الارتكاب الكبير الذي أقدمت عليه وسائل الإعلام التي نشرت هذه الوقائع». وانتقدت الكتلة «محاولة حزب الله استغلال هذه المسألة» وأن يجتمع «حماة المتهمين بالجرائم وأعداء المحكمة للدفاع عن الحريات فيما هم يساندون الطغاة في سورية». وذكّرت بدماء سمير قصير وجبران تويني.
وواصل سفراء الدول الكبرى اهتمامهم بالاستحقاق الرئاسي اللبناني فاجتمع السفير الأميركي ديفيد هيل الى رئيس حزب «الكتائب» الرئيس السابق أمين الجميل. وتخلل اللقاء «مراجعة لنتائج الدورة الأولى لانتخاب رئيس الجمهورية وتقييم نتائجها، وآفاق المرحلة المقبلة اعتباراً من الجلسة الثانية التي تعقد غداً».
وجدد هيل «موقف بلاده الداعي بقوة الى انبثاق السلطة ضمن المهل الدستورية وبالطرق الديموقراطية وانتخاب رئيس للجمهورية بما يضمن تلافي الفراغ وتثبيت الاستقرار في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة».
وكان تأكيد مشترك خلال اللقاء على «أهمية دعم المؤسسات الدستورية وانتظام عملها، والبناء على المناخ الإيجابي الذي عكسته جلسة الانتخاب الأولى من خلال التئام نصابها الذي يجب أن تحرص كل القوى على تأمينه الى حين انتخاب الرئيس العتيد».
وأكد الجميل رداً على سؤال عن ترشحه للرئاسة فيما فريق «14 آذار» يتبنى ترشيح جعجع، أن «لا مانع في ذلك، وهناك لعبة انتخابية وسنصل الى مرحلة نبدأ فيها التفكير ببدائل، لأن غاية 14 آذار إيصال رئيس الى سدة الحكم لا خوض معارك دونكيشوتية».
وقال: «نريد رئيساً قوياً يجمع البلد ويوصله الى بر الأمان. وضمن هذا الإطار اعتبر حزب الكتائب أنه لربما في مرحلة من المراحل إذا كانت الأمور مواتية لترشيحي يكون في محله».
وأعلن الجميل أنه «منذ الاقتراع الأول التقينا مع تيار «المستقبل» واتفقنا على أن تكون هناك متابعة لهذا الاستحقاق، دورة وراء دورة ونعود للقاء ونفكر مع بعضنا حول الخطوات المقبلة. هناك اجتماع خلال 24 ساعة لقيادة «14 آذار» للتفكير في ماذا بعد، وهذا مهم بالنسبة إلينا».