على رغم كل الكلام المعلن عن مصلحة لبنان العليا، والوحدة الوطنية، والدفع الى الحوار والانطلاق به من أجل تخفيف الاحتقان السني – الشيعي وإراحة الوضع الداخلي، فان التصريحات الاخيرة للامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله تناقض كل مواقف النيات الحسنة والوحدة الوطنية، بل هي تدفع في الاتجاه المعاكس. فالموقف من مملكة البحرين، لا يمسّ بالدولة الشقيقة وحدها بل بدول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة، وفي طليعتها المملكة العربية السعودية التي لم تقصّر يوماً في الوقوف الى جانب لبنان الرسمي، وليس الأحزاب والتنظيمات، وقد وهبت الجيش اللبناني أخيراً ثلاثة مليارات دولار للتسليح ورفع الجهوزية لمواجهة أي طارىء، وللمضي في تثبيت سيطرة الدولة على كل أرضها، يضاف اليها مبلغ المليار دولار الذي وُضع في تصرف الرئيس سعد الحريري، لمساعدة القوى الأمنية اللبنانية مجتمعة.
وللتعريض بالنظام في البحرين ومَن يقف وراءه من دول الخليج، ارتدادات اضافية بدأت تنعكس على وضع الرعايا اللبنانيين في دول مجلس التعاون الخليجي، وهي المورد الأوّل لأرزاق اللبنانيين، وخصوصا الشباب المتخرجين الذين يفتشون عن فرصة عمل في الدول العربية. والحظر، أو التضييق على هؤلاء، لا يقتصر على مناصري الحزب، بل بات يتوسع ليشمل كل اللبنانيين، وفي الأمر كارثة اضافية على البلاد التي تعاني أزمة اقتصادية خانقة، ولا مَن يبحث عن حلول، ولم نسمع يوما عن شباب لبنانيين توجهوا للعمل في إيران أو انفتحت أمامهم آفاق بلاد فارس.
ثم ان التهديد المتزايد والمتصاعد لإسرائيل في هذه الظروف، قد يخيف الدولة العبرية، ويجعلها تتحسب لأسلحة متطورة ربما وصلت الى الحزب، أو طوَّرها بنفسه، لكن التهديد ايضا قد يجلب للبنان الحروب والضربات الاستباقية، والتصويب على بناه التحتية، للضغط على الحزب، بما لا طاقة للبلاد حاليا على تحمّله. فامتلاك السلاح يشكّل قوة للحزب وليس للبنان، والتغنّي به يضرّ بسمعة لبنان في كل الاماكن وأمام المحافل الدولية.
أما الموقف من رئاسة الجمهورية، فينطلق من فوقية تامة تجنح الى فرض سلطة الامر الواقع عبر تسمية العماد ميشال عون مرشحا لا بديل منه، مما يعني ان رفض الفريق الآخر اياه سيجعل الاستحقاق مؤجلاً إلى أمد طويل، ريثما يرتضي الآخرون مرشح الحزب والسيد. وهذا موقف لا يشجّع على الحوار الذي يجب ان يتناول كل القضايا الوطنية العالقة، لا تحديد السقف، والدعوة الى التفاوض لبلوغ هذا السقف. في الحقيقة هذا لا يكون حوارا حقيقيا.
في قراءة لمجمل المواقف الأخيرة للسيد نصرالله، يبدو انه ينسف بنفسه ما كان دعا اليه، مما يعني ان مواقفه ربما تضاربت مع بعض المصالح الايرانية، والسورية ضمناً، فعاد الى مربعه الاول، والى مواقف ما قبل الحوار، والى لغة التهديد والوعيد، وإن بقفازين ناعمين.