نصر الله يُبلغ خصومه بأن معادلة الاستقواء بالسلاح تتحكّم بالاستحقاق الرئاسي وليست موازين القوى
طرح مواصفات عون لتزكيته مرشحاً عن حلف «الممانعة» أم لإخراجه من لائحة المتنافسين؟
الأمين العام لحزب الله حاول أن يختصر بنفسه كل الدولة ومؤسساتها: مجلسي النواب والوزراء وصولاً للاستحقاق الرئاسي
بعد مواقف الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله بالأمس والتي قاربت جميع المسائل والقضايا السياسية والمعيشية وبالأخص مسألة الاستحقاق الرئاسي وما يُحيط بها من تجاذبات سياسية حادة بين مختلف الأطراف السياسيين من كلا تحالفي 14 و8 آذار ومن ثمّ دعوته كل هذه الأطراف لانتخاب من له «حيثية مسيحية» كما وصفه من دون أن يسمّيه بالإسم وإن كان يعني بذلك حليفه المطواع، زعيم «التيار العوني» النائب ميشال عون، لم تعد مسألة ترشيح عون عن محور «الممانعة» الساقطة في مستنقع الدم السوري ملتبسة أو ضبابية، بل أصبحت مكشوفة للجميع وأسقطت عنه كل مواصفات المرشح «التوافقي» وما شابه والتي دخلت في القاموس السياسي الداخلي خلال الأشهر الماضية وألصقت به زوراً وبهتاناً خلافاً لطبعه وخصاله وممارساته على مر الزمن، في حين لم تعد التوقعات بإطالة أمد الفراغ بمنصب الرئاسة الأولى من قبيل الاستنتاجات والتحليلات السياسية، بل أصبحت شبه مؤكدة استناداً الى مواقف نصر الله التصعيدية، إلا إذا طرأت مستجدات وتطورات إقليمية ودولية فوق طاقة كل اللاعبين المحليين لإخراج هذا الاستحقاق من دائرة الجمود التي يتخبط فيها في الوقت الحاضر.
والسؤال المطروح، لماذا دخل نصر الله على خط الاستحقاق الرئاسي في الوقت الحاضر، وبمناسبة مستحدثة على عجل لإطلاق مثل هذه المواقف؟
ترى شخصية نيابية بارزة أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله حاول أن يختصر بنفسه كل الدولة اللبنانية ومؤسساتها من خلال تناوله كل المسائل والقضايا المطروحة في مؤسستي مجلس النواب ومجلس الوزراء وصولاً الى الاستحقاق الرئاسي الذي بات الشغل الشاغل لكل الطبقة السياسية من دون استثناء، وكأنه الحاكم بأمره بلا منازع وهي ليست المرة الاولى ولن تكون الاخيرة، وظهر وكأنه يعطي الاوامر لكل المسؤولين لتمرير واقرار هذه القضايا والمسائل، المحقة وغير المحقة على حدٍ سواء مستنداً الى الاستقواء بمعادلة سلاح الحزب الذي يريد بواسطته فرض ارادته بالقوة على الآخرين.
لقد اراد نصر الله توجيه رسالة الى خصومه السياسيين وعلى عجل بأنه يريد ان يصرف نتائج مشاركة «حزب الله» بمحاولة القضاء على الثورة الشعبية السورية ويصور بعض ما يسميه «انتصارات» حليفة النظام الاسدي الديكتاتوري وهي بالفعل ليست الا اخفاقات وتراجعات استناداً الى ما كان عليه هذا النظام لدى اندلاع الثورة قبل ثلاثة اعوام من قوة ومناعة وسيطرة على كل انحاء سوريا، بالامساك بجميع مفاصل السلطة بلبنان، بدءاً بمنصب الرئاسة الاولى، وايصال الشخصية التي يزكيها الحزب وتحقيق مصالحه ومخططاته وتبقي سلاحه متفلتاً من كل الضوابط الرسمية وموجهاً الى كل ما يحقق اهداف الحزب ومشغليه الايرانيين اقليمياً ودولياً بواسطة الساحة اللبنانية كما كان يفعل على الدوام منذ تأسيسه وحتى اليوم.
وحاول نصر الله تصوير الانتخابات الرئاسية في سوريا بأنها انتصار للاسد ولمحور «الممانعة» ككل في مواجهة خصومه العرب عموماً والخليجيين تحديداً واللبنانيين من ضمنهم، مشدداً علي ان هذه التطورات «الايجايبة» لا بد وان تكون لها مفاعيل استقواء لصالح الحزب وحلفائه بالمعادلة الداخلية ولن يتم تجاهلها في مسار الاستحقاق الرئاسي وغيره.
ولكن الأهم في كل ما قاله بان تقرير مسألة الاستحقاق الرئاسي، انتخاباً او تعطيلاً هي في يد «حزب الله» وليس بيد اي طرف سياسي آخر مهما كان فاعلاً ومؤثراً، مرتكزاً على ان معادلة السلاح، سلاح «حزب الله» هي التي تتحكم بموازين القوى السياسية الداخلية، وليس موازين القوى السياسية القائمة في المجلس النيابي، مهما كان عدد هذه الكتلة او تلك، او عدد النواب المؤيدين لهذا المرشح أو ذاك وفي التجربة السابقة بتعطيل المجلس النيابي ابان استحقاق موعد انتخاب رئيس الجمهورية أبلغ دليل، عندما عطل الحزب بقوة السلاح كل محاولات قوى 14 آذار لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ثم نفذ تهديداته بعد ذلك باجتياح بيروت بسلاح «المقاومة» واستهدف المواطنين الأبرياء ظلماً وعدواناً وفرض واقعاً سياسياً جديداً من خلال «اتفاق الدوحة» الشهير الذي أنهى مرحلة الفراغ الرئاسي ونتج عنه انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية يومذاك.
وتعتبر الشخصية النيابية البارزة أن دخول نصر الله على خط الاستحقاق الرئاسي بهذا الشكل قد يزيد المشهد تعقيداً، ولن يؤدي إلى حلحلته أو إخراجه من دائرة الجمود التي يتخبّط فيها حالياً، باعتبار أن هذا الاستحقاق قد خرج بجانب اساسي منه من ايدي اللبنانيين بفعل التعطيل المخطط له لفرض النائب ميشال عون فرضاً بالقوة، وأصبحت المؤثرات الإقليمية وتحديداً مسار التطورات في الصراع السوري وما ينتج عنه تتحكم بجانب من هذا الاستحقاق، في حين ان تصوير ما حققه «حزب الله» وحليفه نظام الأسد القاتل مبالغ فيه، باعتبار ان الثورة الشعبية مستمرة، وهي في كر وفر، واستعجال فرض نتائج ما يسميه نصر الله «انتصارات» هو لاستباق مؤثرات اعادة تسليم الثوار السوريين بأسلحة غربية حديثة قد تقلب موازين القوى رأساً على عقب وتزيد من خسائر الحزب البشرية التي أصبحت قياسية ولا تزال متواصلة. وتخلص الشخصية المذكورة إلى القول انه ليس من الضروري بأن ما قاله نصر الله هو تزكية لعون لمنصب الرئاسة الاولى، لأن اول خلاصة لهذا الموقف هو إسقاط كل مواصفات الشخصية المقبولة من كل الأطراف، وأما الاهم قد يكون ما طرحه هو لحرق اسم عون وإخراجه من المعادلة الانتخابية تمهيداً لكشف اسم الشخصية أو الشخصيات التي يراها الحزب بأنها تتلاقى مع حساباته.