بالأمس علّق الوزير نهاد المشنوق عبر «تويتر» على الوضع اللبناني وأحداث المنطقة بأنه «لا يمكن تحييد لبنان عن الحوادث في المنطقة وآخرها العراق من دون عمل جدي»، بجملة واحدة اختصر وزير الداخليّة نهاد المشنوق «المحنة الدموية» التي تعصف بلبنان منذ العام 2005، والتي دخلت أخطر مراحلها مع اندلاع الثورة في سوريا، ودخولها في مسار دراماتيكي دموي ومذهبي امتدّ إلى لبنان، ولا يستطيع أحد أن يُنكر أنّ حكومة الرئيس تمّام سلام، جاءت كمطلب دولي وعربي لضبط الفتنة المذهبيّة التي كان لبنان على وشك الغرق في «دمائها المتحرّكة»…
وفيما كان وليد جنبلاط يتحسّر بالأمس على زمن الانتداب؛ كان المشنوق يحذّر من خطورة المشهد اللبناني، ففي العراق شيء ما يُنذر بشَرّ استعادة «الفتنة الكبرى» فبعيداً عن حراك «داعش» الدراماتيكي في العراق، خصوصاً بعدما خرج بالأمس مفتي العراق الدكتور رافع الرفاعي وهاجم المرجعية الشيعيّة علي السيستاني العراقيّة بعد فتواها ودعوتها للتطوّع وحمل السلاح، وتوجه إليه متسائلاً: «أسأل السيستاني أين فتواه حينما احتُلت العراق.. دعوة القتال هذه طائفية، ولن نرضى بأن يكون العراق حديقة خلفية لإيران»، ما يحدث في العراق يُنذرُ بموجة دماء عاتية ستهزّ المنطقة، وكأنّها حراكٌ عراقيّ سُنّي يُنذر نهاية «الفَوْعَة» الإيرانية ـ الشيعيّة في المنطقة منذ سقوط العراق العام 2003؟!
في أواخر تشرين الأول العام 2013 نشر الوزير نهاد المشنوق مقالة استوقفتني كثيراً حملت عنوان «أهل السنّة والالتباس» تحدّث فيها «عن التباس سياسي وشخصي وحتى إنساني غير مسبوق عند أهل السنّة من اللبنانيين»، وأقول بصدق؛ بقدر ما أعدت قراءة المشنوق آنذاك يومها، إلا أنني ظننتُ أنّه ذهب بعيداً في تخوفه على «الطائفة السُنيّة» من التخلّي عن «اعتدالها» التاريخي، تلك المقالة يصحّ أن تكون اليوم العنوان الرئيسي للمرحلة التي تعيشها المنطقة، على الأقل ذاك التأكيد المدوّي الذي ختم به المشنوق مقالته: «ومن يعش يرَ»، كلام المشنوق بالأمس على تويتر يعيد إلقاء الضوء وبشدّة على مقالة الرجل الذي حذّر وبهدوئه ووقاره المعروف من المشهد الإقليمي ـ عبر المشهد اللبناني ـ قائلاً: «في ظل تخلٍ دولي وغياب عربي كامل غير منقوص، تأخذهم التطوّرات إلى مواجهة غير متكافئة مع ?احتلال إيراني مذهبي بأولاده الشرعيين للدولة في لبنان، تزامناً مع إطباق الاحتلال الإيراني على الأراضي والأرواح السورية. ألم يحقق التدخّل العسكري لحزب الله في سوريا نظرية أننا شعبَان »متصارعَان« في دولة واحدة؟
لن يطول هذا الالتباس. وبانتظار دولة لا تلوح في الأفق، كثير من أهل السنّة القابضين على الأرض سينقلبون على صفتهم التاريخية لصالح «أهل النصرة» ?الممسكين بالتاريخ وسيذهب المعتدلون ?أو ما تبقّى منهم إلى منازلهم»…
لم يعد المشهد لصالح جبهة النصرة، ما يُسمّى بـ»داعش» سيّدة اللحظة في ما اصطلح على تسميته بـ»الهلال الشيعي»، الذي قد يتلقّى ضربة «قاصمة» في العراق كأنما المشهد هو قول الشاعر: «قَوْمُنَا بَعْضُهًمْ يُقَتِّلُ بعضاً/ لا يَفُلُّ الحَديدَ إلاَّ الحَدِيدُ»، ومن السذاجة أن يُحكى عن «حياد» أو «تحييد» لبنان، فالقلوب ملآنة على الآخر، منذ العام 2005 وحتى اليوم، تسع سنوات ليس فيها سوى الشحن المذهبي والتآمر الإيراني على العراق ولبنان وسورية، منذ القرار الإرهابي باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فـ»اعتدال» الحريري الأب كان حجر عثرة كبرى في وجه المشروع الإيراني في لبنان وسوريا أيضاً.
ما يُحدث في العراق آخذٌ بالمنطقة إلى مواجهة مذهبيّة دامية ولن يكون لبنان بمنأى عنها، لذا نطالب وزير الداخلية نهاد المشنوق بإطلالة يشرح فيها المشهد المعقّد فالمشهد مقلق إلى أبعد الحدود… وكلّ الخوف أن يلحق المشهد اللبناني بالمشهدين السوري والعراقي، وعلى قول المشنوق نقول: «من يَعِشْ يَرَ».