خلال الشهر الماضي تفاجأ الكثير من اللبنانيين بصور نوري المالكي «الإعلانيّة» تحتلّ طريق مطار رفيق الحريري الدولي، إلى حدّ دفع البعض إلى التساؤل: هل بات نوري المالكي وجهاً جديداً يفرض نفسه بالإكراه على الشعب اللبناني؟!
عندما نشر موقع ويكيليكس في العام 2010 أربعمائة ألف وثيقة تناول بعضها كيفية لجوء إيران إلى تسليح «فرق الموت» وتورط نوري المالكي في إدارة فرق القتل والتعذيب، يومها قال جوليان أسانج، مؤسس موقع «ويكيليكس»: «الوثائق قدمت مادة تكفي لتقديم 40 دعوى قضائية عن جرائم قتل غير مشروع وانتهاك لحقوق الإنسان في العراق»، والوثائق المسربة رسمت صورة لنوري المالكي بعيون أميركية بدا فيها رئيس الوزراء المنتهية ولايته شخصاً طائفياً منحازاً بالقوة إلى طائفته الشيعية على حساب مواطنيه السُنّة، وكشفت الوثائق «وجهاً إجرامياً خفياً للمالكي وهو يقود فرقاً عسكرية تنفذ أوامره في الاغتيالات والاعتقالات».
يومها سارع المالكي إلى الادّعاء بأنّ نشر هذه الوثائق: «يهدف إلى تخريب إعادة انتخابه رئيسا للحكومة المقبلة»، بالأمس رفض نوري المالكي تشكيل حكومة إنقاذ في العراق، ولا حكومة وحدة وطنيّة، ورفض التنحّي أيضاً تحت عنوان هزيل بأن «حكومة الإنقاذ» هي ضرب للتجربة «الديموقراطيّة»، وبالطبع السؤال هنا مبرّر عن نوع الديموقراطيّة التي تتيح لشخص واحد أن يحكم العراق للمرة الثالثة على التوالي، فهل مشروع «اثنا عشر عاماً» في الحكم هو «ديموقراطيّة» أم «ديكتاتوريّة»؟!
وكانت صحيفة «نيوزويك» الأميركية قد كشفت معلومات مهمة عن نوري المالكي وأنّه عمل لفترة طويلة مع المخابرات الأميركية والإيرانية كعميل مزدوج قبل سقوط النظام العراقي الوطني في 2003 وانه كان له دور كبير في تنفيذ الأحداث التي شهدها الجنوب العراقي عامي 1990 و1991، مع عودة الخميني إلى طهران.
عام 1979 غادر المالكي العراق وتوجه إلى إيران، وظل مقيماً فيها حتى عام 1987، أي لمدة 8 سنوات، وخلال هذه المدة كان المالكي يتولّى مسؤولية الذراع العسكري لحزب الدعوة، ويومها كانت الأفواج العسكرية لحزب الدعوة والمعروفة بأفواج الصدر لحزب الدعوة، متمركزة في معسكر «غيور» الرئيسي التابع لمقر «رمضان» من مقرات القوة البرية لفيلق حرس الثورة للنظام الإيراني في مدينة الأهواز، وكان يطلق عليهم اسم «جنود الإمام الخميني»، وكانت هذه المجموعة تنفذ عمليات داخل الأراضي الوطنية العراقية إبان الحرب الإيرانية العراقية وكان المالكي يتولي مباشرة قيادة هذه القوات لتنفيذ العمليات تحت إشراف فيلق حرس النظام الإيراني.
يواجه اليوم نوري المالكي نهاية حتميّة في العراق، والمضحك المبكي هو هذا السؤال الذي يطرح يومياً ويبحث له عن إجابات تحليليّة عن سرّ انهيار ما بات يسمّى «قوات المالكي»، وهو في الحقيقة «الجيش الشيعي» الذي أسّسه نوري المالكي في بغداد، وبالطبع من البلاهة الظنّ أن أميركا التي خاضت حربها في العراق لتدمير الجيش العراقي مقدّمة بذلك خدمة مزدوجة للحليفين إسرائيل وإيران، لم تكن لتبني جيشاً جديداً يشكّل خطراً على حليفيهما، هذا من حيث المبدأ العام، أمّا من حيث الحديث عن «الجيش المذهبي» الذي أسسه المالكي، فهذا الفرار لا يُفاجئ القارئين الجيدين لتاريخ جيش الإمام علي ـ كرّم الله وجهه ـ في صفّين، أو لمدّعي صفة «الجُند المجنّدة» للإمام الحسين عليه السلام، هؤلاء الجند لا يتقنون إلا الخيانة والفرار، هكذا انقلبوا على الإمام عليّ وشقّوا عصا طاعته، وهكذا غدروا وخانوا وأسلموا الإمام الحسين لمذبحة كربلاء، هذا هو تاريخ «جند الكوفة»، فلِمَ لا يفرّون مجدداً في مشهدهم التاريخي المستعاد والمتكرّر، والمطابق لما وصفهم به الإمام عليّ ـ كرّم الله وجهه ـ الذي ضاق بهم ذرعاً ودعا الله أن يبدله خيراً منهم وأن يبدلهم شّراً منه، وقد أبدلهم بالطغاة منذ غدرهم بالإمام عليّ وقتلهم الحسين بدمٍ باردٍ ووقح!!