ما بدأ يتكشّف حالياً (للناس) من تاريخ المالكي «الإرهابي» بعد ما توجه بعض ذوي ضحايا تفجير السفارة العراقية عام 1981، وفي مقدمهم المقربون من عائلة الديبلوماسية بلقيس الراوي (زوجة الشاعر الكبير نزار قباني) التي قضت في هذا التفجير، إلى اتهام رئيس الحكومة العراقية السابق، بمسوؤليته المباشرة عن هذا التفجير؟ أيؤكد ذلك خفايا ارتباطات المالكي وعلاقته المباشرة بالقيادي في حزب الدعوة عبد الحليم الزهيري؟ ذوو السيدة بلقيس، ضحية ذلك العمل الإرهابي وذوو وأصدقاء ضحايا آخرين سيرفعون دعوى قضائية في المحاكم الدولية، وأوكلوا لهذه المهمة فريقاً من المحامين العراقيين والأجانب للترافع نيابة عنهم (كما جاء في رسالة «المستقبل» من بغداد) نوري المالكي مشدود بخيوط متشابكة بالإرهاب الإقليمي، هذا ما عبر عنه فريق المحامين مورداً معلومات تشير إلى أن «المالكي كان يقود الجناح العسكري عبر العاصمة السورية (في عهد حكم الرئيس حافظ الأسد) دمشق لتنظيم حزب الدعوة ونسج شبكاته الإرهابية ومن بينها السفارة العراقية».
وتكشفت معلومات وثيقة أن نوري المالكي (اسمه الحركي آنئذ اسراء المالكي) ساهم بتشكيل خلية «الجهاد الإسلامي» في لبنان وكان معه الشيخ عبد الحليم الزهيري وعماد جواد مغنية وعلي الموسوي (كما تورد الرسالة المذكورة) وكان محتشمي سفير إيران في دمشق في تلك المرحلة يشرف على هذه الخلايا الإرهابية، علماً بأنه هو الذي أسس حزب الله من ضمن مخططه الإيراني المعروف. ويبدو أن هذه الخلية لم تفجر فقط السيارة العراقية بل وكذلك السفارتين الأميركية والفرنسية في بيروت. وأثر ذلك هرب المالكي إلى إيران برفقة عماد مغنية والشيخ عبدالحليم الزهيري.
إذا كانت هذه الأخبار صحيحة، (وهي غير مستبعدة) فالسؤال: كيف راهن الأميركيون بعد اسقاط نظام صدام حسين، على نوري المالكي، المسؤول الجهادي الإرهابي عن تفجير سفارتهم؟ أترى لم يكونوا على علم بعلاقاتهّ! بإنجازاته الإرهابية؟ بدوره (ومحتشمي) بتأسيس حزب الله كخلية من خلال «الجهاد» أو كرديف لحزب الدعوة الذي ما زال شغالاً؟ أم انهم كانوا على علم بكل ذلك، ثم تناسوه. أم أن أميركا غضت النظر أو وافقت بطريقتها الخاصة. على تأسيس هذه الخلايا؟ أم انها كانت تعتبر أن تفجير السفارة العراقية جزء من «معارضة» النظام الصدّامي وربما مقدمة من مقدمات اسقاطه بعد عشر سنوات؟ وإذا كانت أميركا على بيّنة من هذه الأمور فمن الطبيعي ربط كثير من المجريات بها. سواء بأسئلة استغرابية أم بلا اسئلة. ذلك انها تحالفت وعلى الرغم من إلمامها المفترض بدور إيران في التفجير، وبعلاقة «حزب الدعوة» ومن ثم حزب الله بها مع إيران تحالفاً عميقاً لا استراتيجياً وعسكرياً ولوجستياً، في الحرب التي اسقطت أول نظام سني في العراق منذ ألف عام؟
فلنُبسط الأمور: أميركا تحالفت مع إيران، كجمهورية شيعية، وسلمتها العراق، وانشأت جيشاً تحت أمرتها، ثم انسحبت تاركة لها تولي زمام العراق. جيش عراقي عربي بأمرة المرشد الأعلى الإيراني! مؤسسات وطنية «عميقة» في قبضة إيران؟ من المخابرات، إلى الحكومة، إلى الانتخابات، والقوى الأمنية… بعدما أمر بريمر بحل الجيش العراقي وبناء آخر: من جيش تحت أمرة «سنية» عراقية عربية، إلى جيش تحت أمرة «شيعية» فارسية! أوافق الأميركيون من خلال ذلك (أم تجاهلوا) . توغل نظام الملالي في سوريا بعد هيمنته على العراق، فإلى لبنان (عبر حزب الله؟ أهو السيناريو ذاته الذي تمّ به تسليم لبنان كله إلى النظام البعثي الأسدي؟ ومن ثم التوافق على وراثة بشار الأسد والده في الرئاسة، قبل رحيل الأب؟ وتالياً: أترى انتقال «ورقة» حدود الجنوب اللبناني من اليد الفلسطينية (السنية في امتدادها اللبناني آنئذ والعربي ) وصولاً إلى ليبيا القذافية والعراق الصدامية، إلى يد الحزب الشيعي الموالي إيران؟ وهنا بالذات يمكن طرح سؤال قد يفضي إلى شيء من فهم دور أميركا في ضرب الوجود السياسي السني في المنطقة العربية وغير العربية؟ تسليم لبنان لوصاية نظام علوي مدعوم من نظام شيعي إيراني وما يحدثه من انشقاقات عمودية في صراع تحول من سياسي إلى مذهبي؛ اتباع سياسات اقصائية للدور السني ومن ثم المسيحي في لبنان، لمصلحة الدور الإيراني؟ وهنا لا بد من طرح علامات استفهام (بأدوات تأكيد) أهذا ما يفسر احجام أوباما عن التدخل في سوريا.
بعدما استفحل استخدام النظام أدوات القتل والمذابح. أكثر: أهذا ما يفسر «دعم» أميركا للنظام السوري الذي كان على شفير الانهيار، بغض النظر عن تدخل حزب الله المسلح في سوريا؟ وكذلك التدخل العسكري الإيراني لدعم النظام السوري، ترى أهذا ما يمكن استشفافه من مشاعر الهلع التي أصابت الكيان الصهيوني من سقوط نظام الأسد: «سقوط الأسد كارثة على اسرائيل؟ (صرح بذلك مرات مسؤولون صهاينة).. وهنا بالذات يمكن تلمس بعض ملامح خلفيات انكفاء أوباما عن ضرب القوات السورية بعد استخدام النظام الكيماوي والبراميل المتفجرة؟ أترى سمح ذلك (أو خُطط له) ببروز الظواهر المذهبية والحركات الإرهابية في سوريا، لإعانة النظام على تصوير حربه مع شعبه، وكأنها حرب ضد الارهاب خصوصاً بعد تدخل «النصرة» وانفلات «داعش»؟ أوليس هذا ما قالته هيلاري كلينتون عندما صرحت بأن احجام أوباما عن التدخل في سوريا أفسح في المجال لقيام الحركات الإرهابية. (ولماذا لم تنعت قوى سليماني والحرس الثوري بالإرهابية قبل ذلك) وهنا يمكن اعادة طرح السؤال: ألم تكن أميركا مرتاحة إلى دعم المالكي للنظام السوري بالمال والسلاح والمسلحين المذهبيين؟ أهذا ما كان يريحها في المالكي: انه بوصلة لتفكيك البنى والمكونات التي تقوم عليها الأمة العربية وكياناتها: فإسرائيل من هنا، وايران من هناك: وما بينهما المالكي وحزب الدعوة وسليماني وحزب الله كأدوات إرهابية تنقذ هذه المهمات!
نورد مثل هذه التساؤلات التي نستحضر بها كيفية صعود المالكي في العراق بدعم أميركي. كأنما كان علامات برزت في التحالف الإيراني الأميركي الصهيوني في إسقاط نظام صدام. فالمالكي إرهابي. مذهبي. خريج المخابرات السورية ومن ثم الإيرانية يسلّم العراق، ويفرض كرئيس حكومة تحدٍ يحمل خطة «فرسنة» أو «صهينة» العراق وتصفية المكون السني. (استكمال مخطط أميركا) وقمعه، وأخيراً قصف مناطقه بالبراميل المتفجرة والطائرات (في الأنبار) وعليه، يمكن فهم تبعثر الجيش العراقي، لأن المالكي جعل منه جيشاً فئوياً، مذهبياً، مستلهماً التجربتين الإيرانية وخصوصاً السورية. ألم يكن الأميركيون على بينة من ممارسات المالكي التي حولت الجيش العراقي إلى جيش خاص، خاضع للحرس الثوري وقائده سليماني؛ مؤسسات شيعية. جيش شيعي. شرطة شيعية. أي مؤسسات أمنية وعسكرية لخدمة النظام المرتهن بإيران. تماماً كما هي حال الجيش السوري الذي تفكك وافرنقع بعد الثورة الشعبية وانضم ألوف منه إليها، لشعورهم بأنهم كانوا مجرد شهود زور في الجيش السوري (وهنا وقفة: ألا يحاول حزب الله ضرب «الحضور» السني في لبنان. وتصويرهم ارهابيين وتهديد قياداتهم «واغتيال بعضها؟) كأنها منظومة سياسية واحدة تبرعمت مع النظام السوري، ومن ثم الإيراني. تهميش الأقليات، وطمس الأكثريات! أي المجد الذهبي من أطرافه كلها. وهنا نعود ونتذكر كيف حاول نظام حافظ الأسد تصفية الدور السني في لبنان في الثمانينات وما بعدها، وكذلك الدور المسيحي: اغتال الشيخ صبحي الصالح، والمفتي حسن خالد وثم نفي الرئيس صائب سلام وتقي الدين الصلح وابراهيم قليلات وصولاً إلى نفي العميد ريمون اده والرئيس أمين الجميل وسجن سمير جعجع وهروب ميشال عون… ويضاف إلى ذلك تصفية المقاومة الفلسطينية (بقيادة عرفات) و»المقاومة الوطنية» و»الحركة الوطنية» واليسار المرتبط بها، بامتداداتها العربية «السنية» وإحلال «مقاومة شيعية محلها في الجنوب اللبناني، لتكون ورقة الحرب والسلم في أيدي الوصايتين السورية والإيرانية.
ألم يكن هذا الدور متصلاً بحزب الملالي في لبنان؟ إذاً من حزب الدعوة (المالكي) إلى حزب الله (محتشمي)، إلى الحرس الثوري (ولاية الفقيه) مسار واحد وهدف واحد أي محاولة لرسم هلال صهيوني في المنطقة يبدأ في إيران ويلتقي اسرائيل. واذا أردنا مقاربة بعض التفاصيل (المهمة) في أداء حزب الملالي ومقاومته (الإيرانية) ندرك بلا عناء، ان دوره في لبنان هو امتداد لدور المالكي في العراق، والحوثيين في اليمن والمعارضة الشيعية في البحرين: أبلسة السنة وكلنا يعرف من اغتال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لتدمير أحد الرموز السنة في لبنان، ظناً، أن حضور السنة في غياب رموزه يضعف كما كانت الحال أيام الوصاية السورية. وكلنا يعرف كيف حاول حزب الله «أبلسة» السنة المعتدلين في لبنان (تيار المستقبل) عندما راح يمعن في إدراجهم في خانة دعم الإرهابيين ليصور للعالم ان ما من سنة (أكثرية العالم العربي) معتدلين. قتلوا رفيق الحريري واتهموا سنة بقتله من أبو عدس إلى الحجاج الاستراليين ولا ننسى دعمهم لشاكر العبسي صاحب مشروع الإمارة السنية».
وقد بنوا فرقاً مسلحة في جبل محسن (موالية للنظام السوري وعلوية الهوية ليمعنوا في اثارة الفتنة المذهبية بين العلويين (قياداتهم عميلة لحزب الله وسوريا) وبين سنة طرابلس.
أما عرسال، فكانت نجمة «الإرهاب» توّلى إعلام حزب الله و»مناره» المعتمة، هذه المهمة، ونعت عرسال ناسها بلا استثناء بالتطرف وبتغلغل القاعدة والنصرة وداعش فيها وساهمت بعض القوى الرسمية بمساعدة الحزب على هذه السياسة فنكّلت ببعض الأهالي وسجنت من سجنت ووصمت الجميع بالإرهاب. وقد بلغ «عهر» حزب الله بأن حاصر عرسال، حتى عندما خاض الجيش معركته مع «النصرة» اثر اجتياحها ومنع وصول المساعدات الطبية لها. (ازلامه في اللبوة!) وكأنه يريد أن يظهر للعالم أن (الإرهابي المحترف) يحاصر الإرهاب! أكثر: ها هو الحزب يهمّش، وعلى طريقة المالكي، رئاسة الجمهورية اللبنانية بتعطيل الانتخابات الرئاسية. فكما أن مسألة الرئاسة في إيران تتصل بالمرشد فيجب أن تكون هنا متصلة بمرشدنا السيد حسن نصرالله. أي لا رئاسة فعلية. (بل في أفضل الأحوال رئاسة تحت الوصاية، تماماً كما كان عهد أميل لحود الميمون بالسيادة!) . لا رئاسة فوق المرشد في إيران. لا رئاسة فوق المرشد في العراق: إذاً لا رئاسة فوق المرشد في لبنان. ولا مرشد في لبنان ليس تحت أمرة المرشد في إيران: مرشد فوق مرشد، تحت مرشد، قرب مرشد. المهم فكرة المرشد المعصوم ها هو حزب الله يطبقها عندنا مستغلاً بعض ذوي النفوس الضعيفة. وهذا ما حدث بالنسبة إلى رئاسة الحكومة السنية. تعطيل تأليف حكومة وتضييق دورها. ومحاصرتها بالإضرابات المهنية وغير المهنية. اضافة إلى كل ذلك إعطاب مجلس النواب وجعله ايضاً تحت وصاية «مرشد» لبنان ومرشد «إيران». هذا ما يحاول إنجازه نوري المالكي الذي وبغبائه الأعمى، تصرف بطريقة قادت المقهورين من السنة، وغير السنة إلى التمرد وساهمت في ولادة داعش: بعبع الحزب وإيران وأميركا (النائمة الجميلة التي استيقظت أخيراً). ويمكن أن نستحضر هنا حملات التهديد السرية والعلنية للرئيس سعد الحريري الذي نصحه كثيرون بمغادرة البلد لكي لا يكون على مرمى فتنة حزب القتل والفتنة. لكنه عاد. وعادت نغمة التهديد. قتلوا والده بمؤامرة إيرانية سورية وها هم وبالمؤامرة ذاتها يهددونه. لكنه عاد وكأنما البلاد عادت معه!
في كل هذه المراحل الطويلة، كأن العرب كانوا الغُيّاب حتى عندما أدركت نيران إيران اسرائيل أميركا- سوريا حدودهم. وها هم يستيقظون وينظمون دفاعهم عن الوجود العربي السني المسيحي والتعددية. ومن خلال هذه «العودة» وبعد انهيار «النموذج» الإيراني في العراق، وبكل تداعياته وبعد سقوط المالكي (الصدى الدموي لإيران) يبدو كأنما الأمور بدأت تتوضح: كأنما انكسر الهلال الصهيوني أولاً في الربيع العربي وثانياً في سقوط المشروع الإيراني وثالثاً في ارتباك الكيان الصهيوني أمام المقاومة الفلسطينية التي عرفت كيف تعلم العدو درساً في المقاومة لن ينساه.
ها هو المالكي بلا ارثٍ ولا سلطة. سقط كقصاصة ورق. وأظهر سقوطه مدى هشاشة حضور «العملاء» مهما طغوا. هناك هزيمة اخرى تنتظر المالكي. هذه المرة يعود شبح تاريخه الأسود وجرائمه الارهابية: ذوو السيدة بلقيس الراوي، ينبشون وقائع جريمة تفجير السيارة العراقية ويصرخون للعالم: ها هو المجرم الإرهابي (الذي كان يحارب مع حزب الله الارهابَ!) وتجب محاكمته.
وها هم ذوو الديبلوماسية الراحلة بلقيس الراوي (أو الضحية) يحضّرون لرفع دعوى قضائية امام المحاكم الدولية بتهمة تفجير السفارة!
المالكي من السلطة والفساد والعمالة والقتل والإرهاب إلى منصة العدالة!
فهل يكون مصير الطغاة في سوريا وإيران ولبنان صنو مصير المالكي؟
أو لا نستحضر هنا محاكمات مجرمي الحرب في صربيا، وسواها، كذلك محاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري… والمتهمون معروفون بأسمائهم وعناوينهم هنا في لبنان وأبعد منه؟!