في الوقت الذي يرتفع فيه منسوب القلق في ظل تهديدات هيئة التنسيق النقابية على مصير الإمتحانات الرسمية التي ستبدأ الشهر المقبل، بقيت إهتمامات الدبلوماسيين المعتمدين في لبنان محصورة بسلسلة من الأسئلة حول الخيارات المتاحة حول الإستحقاق الرئاسي. وكما قبل الشغور وبعده، فلم يتبدّل شيء، فبقيت الأسئلة الدبلوماسية على حالها، مقرونة بالنصائح فما هي أبرزها؟
إفتتح قطب سياسي جلسة سياسية وحزبية بالكثير من التحليلات والتمنيات وبالقليل من المعلومات، وبأقل قدر من التوقعات حول ما يمكن أن يحصل في اليوم التالي على أساس أن الأمور تجري على قاعدة «كل يوم بيومو»، «بعدما بتنا في موقع المتلقّي ومن أصحاب رد الفعل في ظل فقدان القدرة على الفعل». فالمعادلة السلبية التي حكمت الجلسات الإنتخابية الخمس لإنتخاب الرئيس العتيد بكل ما رافقها من «تكاذب سياسي» إفتقدت الى الحد الأدنى من الديمقراطية الدستورية. بعدما تحوّلت الآليات المعتمدة في انتخاب الرئيس العتيد الى وسيلة نزاع سياسي ودستوري غابت عنها كل التفسيرات الدستورية وتناقضت، فبات تطيير النصاب وجهة نظر ومجال مباهاة بالقدرة على تعطيل العملية الإنتخابية ما لم تكن النتيجة مضمونة لصالح مرشح محدد على قاعدة «أنا أو لا أحد» أو ما يساويها على قاعدة «ومن بعدي الشغور».
وفي موازة اللعبة السياسية المقفلة، كانت الحركة الدبلوماسية تجري خلف الكواليس السياسية قبل أن تطفو على سطح الأحداث في الأيام القليلة التي سبقت انتهاء المهلة الدستورية. جاء ذلك بعد عودة السفير السعودي الى بيروت وخروج زيارات السفراء الأميركي والروسي والفرنسي وغيرهم من السر الى العلن تحت عنوان، تشجيع اللبنانيين على انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية وإنجاز الإستحقاق ضمن المهلة الدستورية، وحضّهم على التوافق على رئيس جديد يجمع اللبنانيين.
وعلى هذه الخلفيات، بقيت حركة السفراء بعيدة كل البعد عن الدخول في الأسماء، فكل النظريات التي تحدثت عن مرشح مدعوم من المملكة العربية السعودية أو إيران وآخر تؤيده الولايات المتحدة وثالث مرشح الفاتيكان الذي يجاهر مسؤولوه في الحديث عن ممارسة قداسته كل الجهود الممكنة لإجراء الإستحقاق في موعده.
ورغم هذا الكلام لم يرَ القطب السياسي اي إشارة من أي سفير لدعم أي من المرشحين الثلاثة المعلن عنهم، ولو لم نسمع أسماؤهم في الجلسة الأولى للإنتخابات، فإن معظم السفراء اكتفوا بطرح الأسئلة عن الظروف التي رافقت ترشيح جعجع أو عون أو حلو، وما هي الظروف التي دفعت الى تمسّك الأقطاب بالمرشحين الثلاثة دون غيرهم؟ وما الذي يحول دون إتمام العملية الإنتخابية حتى ولو استغرقت جلسات عدة مفتوحة وصولاً الى انتخاب الرئيس العتيد؟ كما بالنسبة الى ما حمله البعض من بوانتاجات غامضة وملغومة فيها من التكهنات ما يكفي للتبصير في مواقف بعض النواب والكتل الصغيرة، عدا عن التشكيك في صدقية ترشيح هذا الرجل أو ذاك من أقرب الحلفاء وحلفاء الحلفاء.
لكن بعض الدبلوماسيين أضافوا بعد الشغور الرئاسي سؤالين وجيهين، أحدهما يركز على الوسائل الممكنة للإستمرار في الحفاظ على الإستقرار الأمني والإقتصادي والسياسي والإداري في موازاة السعي الى انتخاب الرئيس العتيد، وما يمكن القيام به لتقصير مهلة الشغور قدر الإمكان مع الحفاظ على هيبة المقام والموقع. ويضيف القطب السياسي ليقول إنه لولا المنطق السائد على خلفية القوة المفرطة لبعض القوى، فإن الأيام القليلة المقبلة فاصلة للبت في الكثير من العناصر المؤثرة في الإستحقاق مع الأمل بأن تكون لصالح العملية الإنتخابية إذا صدقت نيات بعض اللبنانيين في رغبتهم برؤية رئيس يعمل من أجل لبنان ومصالح اللبنانيين وليس على حساب لبنان ومصالح أبنائه كما حذّر أحد الدبلوماسيين مراراً.
ويختم القطب مداخلته بعبارات تنضح بالقلق ليقول: إنه لم يشهد هذا الكم والنوع من «اللامبالاة الدبلوماسية» في الشأن اللبناني منذ أن فُتح السباق الى قصر بعبدا.
وما يزيد من حجم القلق على الاستحقاق الانتخابي في حد ذاته أن واشنطن تدرس امكان أصدار بيان بين ساعة وأخرى تؤكد فيه على دعمها الحكومة اللبنانية الحالية في ممارسة صلاحيات الرئيس وتمتين الاستقرار في البلاد.