الخبر الذي نشر قبل أيام عن اطلاق فارس سوري احتجز في السجن 21 عاماً لذنب وحيد هو تفوقه في احدى مباريات الفروسية على باسل الاسد، شقيق الرئيس بشار الذي كان يعدّه والده حافظ لتولي الحكم من بعده، قبل ان يقتل في حادث سيارة، يعطي صورة واضحة عن كيفية حكم سورية خلال عهد عائلة الأسد الممتد منذ 1971 حتى الآن.
لم يكن عدنان قصار يشك للحظة في ان قيامه بواجبه في منح فريق بلاده للفروسية فوزاً في احدى البطولات بعد أخطاء ارتكبها قائد الفريق باسل الاسد سيعني انتهاء حياته كما يعرفها، وإلقاءه في زنزانة لمدة تزيد على عقدين، وأن يوضع في كيس ويتعرض للضرب المبرح لساعات طويلة يوم وفاة باسل، وأن يتكرر هذا الضرب كل سنة في ذكرى وفاته، اضافة الى «حفلات» التعذيب الدورية الاخرى.
ما حصل لقصار عينة بسيطة للعسف الحاصل في كل سورية حيث يدور كل شيء حول شخص «الزعيم القائد» ويتوقف على مزاجه ومدى تقبله لشخص ما، او امتعاضه من آخر. لكن ايضاً وخصوصاً، مدى إقرار اي شخص، اياً كان موقعه او دوره، بـ «شرعية» الحاكم وتقبله لقراراته ومواقفه وأساليبه. وتنسحب هذه المزاجية على مختلف الاجهزة الامنية السورية، حيث الضابط هو «القاضي» و «الحاكم بأمره» والمواطنون مجرد «تابعين» يتحولون الى «ارقام» عند ادخالهم الزنازين. والتاريخ شاهد على الحالات الكثيرة لسياسيين وعسكريين اعتقلوا منذ انقلاب حافظ الاسد، ولم يفرج عنهم سوى بعد عقود، وقبل ايام او اسابيع قليلة من وفاتهم التي تسببت بها تراكمات السموم التي كانت تدس في طعامهم في السجن.
ويقول بعض الذين عرفوا الوريث بشار، انه عندما اتخذ قراره باغتيال رفيق الحريري كان هناك، اضافة الى أبعاده السياسية الخطيرة، جزء «شخصي» في القرار لأن الرئيس «لا يحبه». ومع ان ذلك لا يخفف من فداحة الأمر، إلا انه تبين بعد سنوات على هذا الاغتيال ان بشار «لا يحب» بلده سورية ايضاً، ولهذا يطحن مدنه وقراه بالصواريخ والبراميل المتفجرة ويهدمها على رؤوس قاطنيها، ويهجّر من بقي منهم على قيد الحياة.
وأمس فقط اعلن في لاهاي ان فريقاً من «منظمة حظر الاسلحة الكيماوية» يحقق في وقوع هجمات بالغاز في سورية، خلص في تقرير الى ان القوات النظامية السورية استخدمت «بشكل منهجي» اسلحة كيماوية مثل الكلور لضرب تجمعات المدنيين في مناطق تخضع لسيطرة المعارضة.
اما كذبة العفو التي اطلقها «القائد» احتفاء بقراره التمديد لنفسه لولاية ثالثة، فتبين انها لم تشمل سوى بضع مئات من بين اكثر من مئة الف سوري اعتقلوا منذ بدء الثورة قبل ثلاث سنوات ونصف السنة، وأُضيفوا الى عشرات الآلاف الذين سبقوهم الى المعتقلات منذ عهد الأب. وبعض الذين «أطلقوا» لم يتبق منهم سوى بطاقات هوياتهم التي سلّمت الى اهاليهم، بعدما قضوا تحت التعذيب في السجون ومراكز الاعتقال، ودفنوا في اماكن مجهولة.
ومع الأمل في ان يحتفل السوريون قريباً بإسقاطهم نظام الاسد الجائر، فالأرجح ان ما ستكشفه الوثائق والشهادات عن سجل انتهاكات حقوق الانسان الحافل خلال عهد العائلة الأسدية، سيجعل النازيين والفاشيين الآخرين يبدون مجرد هواة.