… وفي الليلة الظلماء يُفْتقد البدر. أما في ليالي لبنان، وحتى في نهاراته الحالكة والشديدة الظُلمة والظُلم والقلق، فلم يعُد اللبنانيّون في حاجة إلى افتقاد البدر، أو افتقاد المساعدة والدعم من هذه الدولة أو تلك العاصمة. فلطالما كانت المملكة العربية السعوديّة سبّاقة في تلبية وتوفير ما يفتقر إليه الشقيق الصغير المُستهدف من داخل ومن خارج، وبما يُعينه ويسنده في محنته الطويلة الأمد.
واقع الحال هذا لا يعوزه التقديم والشرح والتفنيد. فهو يقدّم نفسه بأفعاله. فقبل أي نداء او استغاثة أعلن خادم الحرمين تخصيص ثلاثة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني بأحدث وأفضل ما أنتجته المصانع الفرنسيّة.
وعلى أبواب متغيّرات عاصفة تجتاح المنطقة العربيّة، وتستهدف لبنان الثماني عشرة طائفة لألف سبب وعلّة، ومع طلائع معالم الأذى والخطر لـ”داعش”، سواء في عرسال أو أطراف الشمال، فاجأ الملك عبدالله بن عبد العزيز اللبنانيين قبل سواهم بتقديم دعم فوري للجيش اللبناني وقوى الأمن قوامُه مليار دولار. وأوكَل إلى الرئيس سعد الحريري وضعها موضع التنفيذ الفوري، مع السلطات المعنيّة.
وبديهي أن يُدرِج الرئيس الحريري، ومعه كل اللبنانيين، مبادرة العاهل السعودي في إطار وقوف المملكة الشقيقة إلى جانب لبنان المُستهدف من أكثر من جهة، ولمكافحة الإرهاب وفلوله ومتطرّفيه وإجرامهم. صحيح أن كل العرب وكل الناس في كل مكان يُنادون بالتصدي لهذه الفئات المتطرّفة التي تكاد أن تَفسخ العالم العربي وتمزّق دُوله، إلا أن استهداف لبنان التعدّدي، والوطن الرسالة، وبلد التعايش النموذجي والسلمي، قد تكون ذيوله وتداعياته وانعكاساته أشدّ خطورة وتأثيراً على امتداد الجغرافيا العربيّة…
مع التذكير دائماً وأبداً بأن هذا اللبنان، بكل مصائبه ونكباته ممنوعٌ من انتخاب رئيس للجمهوريّة يحلّ محلّ الرئيس السابق ميشال سليمان.
مَن المانع وما هي الموانع؟
الجواب الوحيد الذي تسمعه من الكبار قبل الصغار ومن الوزراء قبل النواب يقتصر على الهمهمة. أو بوضع الحق والمسؤوليّة على الطليان. أو على الإيرانيين. أو على المسترئسين الذين يعطّلون نصاب جلسات مجلس النواب.
وهذه واحدة من عشرات العلل المُبتلي بها هذا اللبنان الذي لا تتخلّى عنه السعودية أيّاً تكُن محنته أو حربه أو أزمته.
وفي سياق هذه المواقف والمبادرة الأخويّة والنبيلة لخادم الحرمين، أقِرّ أمس عقد مؤتمر في المدينة المنوّرة لنبذ التحزّب ومحاربة التطرّف، وبيان خطورة التفرّق والانحراف، وتأكيد تعزيز الوحدة الوطنيّة.
وبمشاركة دولية كبيرة، للمساهمة في معالجة كل ما يؤذي المجتمعات ويخرّب المؤسسات والدول والمفاهيم.
العاهل السعودي حريص على وحدة اللبنانيين أكثر من بعض اللبنانيين، وبالفعل لا بالقول.