IMLebanon

هكذا سقطت الحواجز أمام تسليح الجيش

فجأةً ومن دون أيّ مقدّمات، استدرجَت الهبة السعودية التي خُصِّصت لمواجهة الإرهاب عقبَ حرب عرسال، العالمَ لتسديد فاتورة تجهيز الجيش اللبناني ودعمِه بعد أعوام من الجهد المضني لترجمة برامج التسليح التي نامَت في الأدراج الدولية. فما هي الظروف الإقليمية التي قادت إلى هذه الحملة؟ هل سقطت كلّ الحواجز؟ وما الذي تبقّى منها؟

شكّلَ الثاني من آب الماضي تاريخُ الهجوم الغادر على مواقع الجيش اللبناني في عرسال ومحيطها محطّةً في إلقاء الضوء قويّاً على برامج تجهيز الجيش وحاجاته من الأسلحة المتطوّرة. فبعد أيام على ما شهدته مدن عراقية وأخرى سورية من أعمال إرهابية وإجرامية في تجربتين متتاليتين، جاءت أحداث عرسال لتُبرزَ التجربة اللبنانية الثالثة. فقد كشفَت ممارسات «داعش» في ستّ محافظات عراقية قبل أن تجتاح قواتها بسلاحها العراقي المتقدّم الحدودَ إلى عمق الأراضي السورية، أبشعَ مظاهر العنف الذي تتقنه طريقاً إلى إرهاب المدنيين والعسكريين.

ويعترف أحد الخبراء العسكريين الذين راقبوا التجربتين السورية والعراقية بأنّ التجربة اللبنانية أظهرَت حجم وتفوّقَ القدرات البشرية التي استخدمها الجيش اللبناني في قتاله مع المجموعات الإرهابية وقدرته على الحركة السريعة بمعدّات وأسلحة تقليدية تفتقد الغطاءَ الجوّي والصاروخي والقدرات التقنية والعسكرية المتقدّمة التي تملكها جيوش المنطقة، وسوريا والعراق منها. وهو ما فتحَ الباب واسعاً لإسقاط بعض الحواجز أمام برامج تسليح الجيش، بما يسمح له بمواجهة متكافئة مع المنظمات الإرهابية العابرة للقارّات والحدود.

ويقدّم الخبير نفسُه، في قراءته للفوارق في إدارة المعركة بين لبنان وسوريا والعراق، نقاطَ تفوّق للجيش اللبناني، على رغم الخسائر التي مُنيَ بها والتي لا تُقاس بما فقدَه جيشا العراق وسوريا من أعتدة ومن الجنود والضبّاط الذين عُدُّوا بالآلاف أمام الهجمة «الداعشية» التي يهوى مقاتلوها الموت المجّاني من أجل فتح الطريق أمام قوافل مسلّحي جيش جرّار، كما حصل في عديد من الثكنات والقواعد العسكرية الجوّية والبرّية في الدولتين.

وفي وقتٍ عزا الخبير العسكري أسبابَ سقوط التجربة العراقية إلى عدم أخذ حكومة نوري المالكي بالنصائح التي أُسدِيت إليه باستنساخ التجربة اللبنانية في تعزيز عقيدة الجيش الوطنية، وتجاهلِه اقتراحات بدمج الألوية لنزعِ الصفات المذهبية والعشائرية عنها، لاحظَ أنّ تراجُع قدرات الجيش السوري مرَدُّه إلى الحرب الداخلية التي خاضها مع شعبه لثلاثة أعوام قبل أن يواجه فصائل متعدّدة الوجوه والهويات.

وعليه، فقد رصدت المراجع الديبلوماسية والعسكرية نقاط القوّة اللبنانية لتبنيَ عليها برامجَها العاجلة بالتسليح، فتقدّمت هبة المليار السعودية الماليّة على ما عداها، وسارعت اميركا إلى مدّ الجيش بالدعم الفوري والمباشر بالأسلحة المُلِحّة للمواجهات اليومية البرّية، وفي مواجهة المدرّعات والتحصينات.

وجاء هذا التطور ليواكب حركةً على خطوط عواصم أخرى. فالقاهرة تستقبل اليوم وفداً عسكرياً لبنانياً يستطلع حاجاته من مخازن الجيش المصري وصناعاته العسكرية، في وقتٍ حَدّد فيه السفير الروسي ألكسندر زاسيبكين قبل عشرة أيام موعداً عاجلاً لوزير الداخلية نهاد المشنوق ليزور موسكو في 18 أيلول الجاري موفداً من حكومته ومن الرئيس سعد الحريري، على أن يقصدَها لاحقاً قائد الجيش العماد جان قهوجي بهدف إحياء الهبة الروسية الجوّية والعسكرية التي ناقشَتها حكومة الوحدة الوطنية العام 2011، بما فيها من حوامات قتالية متقدّمة وأسلحة وذخائر.

كلّ ذلك يجري على وقع حديث متنامٍ يُحدّد وجهة استخدام هذه الأسلحة في مواجهة الإرهاب، ما يبعدها عن الحدود الجنوبية إلى أجل غير مسمّى. وإلى ذلك الحين ستبقى كلّ الوعود بالتسلح موضعَ تجارب، الإيجابي فيها أنّ نتائجَها تُقاس بالأيام والأسابيع تزامُناً مع بناء التحالف الدولي الجديد، ما يؤشّر إلى أهمّية دور الجيش اللبناني في هذا الإطار.