IMLebanon

هكذا نصب الراعي فخّاً لميشال عون

ربما يكون اللقاء الذي دعا اليه البطريرك بشارة الراعي النائب ميشال عون محاولة أخرى للتوصل الى تسوية ما تسدّ الشغور الرئاسي، وقد يكون، بطريقة أو بأخرى، وسيلة ضغط أخرى لاحراج عون والمساهمة في قطع الطريق أمام وصوله الى بعبدا، لكن الأكيد أن الجسر الذي بادر العونيون الى مده صوب بكركي تحوّل بعد اللقاء الى خيط رفيع

«أن يزرع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ألغام السعودية أمام رئيس تكتل التغيير والاصلاح ميشال عون ليس بمستغرب أبداً، لكن، أن ينصب البطريرك بشارة الراعي فخاً لعون، فذلك يثير الدهشة ويطرح مئات علامات الاستفهام»، يقول قيادي في التيار الوطني الحر، مضيفاً: «ما قبل يوم الاثنين (16 حزيران الجاري) الماضي شيء، وما بعده شيء مختلف تماماً، أقله في حسابات التيار الوطني الحر». تتحدث الرواية العونية عن سلسلة أحداث كان الهدف منها تقريب وجهات النظر بين البطريرك وعون، الا أن ما حدث هو العكس تماماً. منذ قرابة الثلاثة أسابيع، بدأ بعض المقربين من بكركي والرابية جولات مكوكية بين الطرفين لتحديد موعد لقاء في الصرح. المطران سمير مظلوم ـــ مهندس الاجتماعات المماثلة ـــ كان مشغولاً بالاعداد للاحتفال بيوبيله الذهبي الكهنوتي، فسلّم الراعي هذا الملف مؤقتاً الى المطران بولس صياح.

اقترح الوسطاء «انشاء لجنة مصغرة تحضر اللقاء ويسمي أعضاءها الطرفان كي تكون حاضرة أثناء اللقاء». وافق البطريرك على الاقتراح، وكان من المفترض أن تجتمع اللجنة قبيل اللقاء بالمطران صياح، وذلك ما لم يحصل بحسب أحد أعضاء اللجنة المفترضة. ما حصل أنه، قبيل يومين من زيارة عون لبكركي، «توجه المطران مظلوم الى الرابية لدعوة رئيس تكتل التغيير والاصلاح الى اجتماع ثلاثي، يضم الى جانبه، البطريرك، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع». وحالما لبّى عون الدعوة وجد نفسه وسط المصيدة البطريركية: استبدلت اللجنة المتفق عليها بثلاثة وأربعين مطرانا، إضافة الى مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، من دون وجود جعجع في الصرح. حافظ عون على هدوء أعصابه برغم اكتشافه «الخدعة»، يقول أحد المطلعين على الزيارة، وخصوصاً أن المشهد بدا أقرب الى جلسة محاكمة يترأسها البطريرك الراعي بحضور مطارنة السينودس الوافدين من كل دول العالم والمفتي الشعار لمحاكمة المتهم، أي عون. في المقابل، ينفي القواتيون معرفتهم بهذا اللقاء، أو دعوة بكركي اليهم، متهمين التيار الوطني الحر بالتسويق لهذه «الأكذوبة».

بدا واضحا يومها، يقول المسؤول العوني، أن الراعي هو الآخر يخطط لقطع الطريق على عون تماما كجعجع ولو من دون تنسيق فعلي بين البطريرك ورئيس القوات. أراد إحراجه أمام مطارنة لا دخل لهم بالاستحقاق الرئاسي، وجرّه تالياً الى خلاف علني ربما. فلم يتردد بافتتاح الجلسة أمام الحاضرين بالحديث عن مسؤولية معطّلي الانتخابات عن الفراغ الرئاسي، ثم توجه إلى عون قائلاً: «أعلِن ترشّحك، وانزل إلى مجلس النواب، وأثبت انك تحظى بتأييد أكبر كتلة نيابية». يضيف المصدر: «رفض الجنرال الحديث في مسألة من المفترض أن يكون البطريرك عارفا تفاصيل انجازها تاريخيا واستحالة اجرائها فعلا من دون تسوية دولية ـــ محلية مسبقة». كذلك تقاطع موقف الراعي مع موقف جعجع من الانتخابات النيابية.

تحول لقاء الراعي

وعون إلى ما يشبه جلسة محاكمة

عبّر البطريرك هنا عن اقتناعه بحتمية إجراء انتخابات رئاسية قبل النيابية وسدّ شغور بعبدا بأي رئيس كائنا من كان، حتى لو اقتصر دوره على صورة فوتوغرافية تعلق في الادارات العامة، فيما يرى عون أنه في ظل استحالة الاتفاق الحالي على رئيس للجمهورية، ينبغي اجراء الانتخابات النيابية لانتاج مجلس نيابي شرعي يؤسس لانتخابات رئاسية حقيقية.

انتهى اللقاء كما بدأ، بتفاوت كبير بين وجهات النظر، كأنه «حديث طرشان»، يقول أحد الوزراء السابقين. وبغض النظر عما اذا كان الراعي أو فريق المرشحين المحيط به قد نصب فخّا لعون أم لا، الأكيد أن الجسور التي مدّها التيار الوطني الحر منذ ثلاث سنوات الى الراعي تحولت بعد اللقاء الى خيط رفيع. في حسابات عون، لا يمكن اللعب في الاستحقاق الرئاسي، والانتقال من المطالبة برئيس قوي الى الدعوة إلى سدّ الشغور ثم قبول أي رئيس حتى لو كان مرشح النائب وليد جنبلاط. والمعادلة في رأيه واضحة هنا: كل من يصل على لوائح الآخرين، لا بمجهوده الخاص، أجير سياسي، لذلك المعركة اليوم تتركز على ايصال رمز المسيحيين الحقيقي الى السلطة، واستعادة المقاعد النيابية المسروقة. وبناءً عليه، يردد زوار الرابية وراء عون: «كما لم يأخذوا بصمتنا وتوقيعنا على الطائف، لن يأخذوهما اليوم على طائف ثان أو دوحة أخرى».