هكذا يمنع «المستقبل» الحسم مع «التكفيريين»
الحلّ في 7 أيار جديدة على الحدود؟!
المنطقة دخلت حالة من «الانتظار» الساخن لسبر اغوار الاستراتيجية الاميركية الجديدة لقتال «الدولة الاسلامية»، الرئيس باراك اوباما يعد لتحالف دولي واقليمي لتحديد «قواعد الاشتباك» الجديدة في المنطقة، هذه مسلمة، ولكن العقدة الرئيسية تبقى حل «معضلة» اشراك الدولة السورية بهذا التحالف من عدمه. طبعا هذا الملف الشائك تتداخل فيه المصالح والتسويات والاكاذيب وكل موبقات السياسة والامن، والاجابة حول «اليوم التالي» ليست موجودة بالطبع عند غالبية الطبقة السياسية اللبنانية. اوساط رفيعة في 8 آذار اكدت ان العارفين والمؤثرين في بيروت اتخذوا قرارا واضحا بالمواجهة منذ اليوم الاول وهم مستمرون فيها وليسوا ضمن قائمة المنتظرين، يبقى السؤال هل يستطيع لبنان تحمل ترف المترددين؟ ودفع ثمن خطيئتهم مرتين الاولى، عندما انخرطوا في دعم غير محدود لما يستمرون في اعتباره «ثورة» سورية، والثانية عدم وجود استراتيجية واضحة للرجوع عن الخطأ والاستمرار في المكابرة والرهان على الوقت؟
هذه الاسئلة المشروعة معني بها مباشرة «تيار المستقبل» تقول الاوساط الذي هو المسؤول المباشر عن تأخير «هزيمة» المجموعات التكفيرية في الداخل وعلى الحدود. هذه التهمة ليست مبالغة او تجنٍ، فتأخير الحسم لا يرتبط فقط بالمسائل اللوجستية التي يحتاج اليها الجيش اللبناني لكي يقوم بحملة عسكرية ناجحة، وانما المعضلة الرئيسية تكمن في غياب «الغطاء» السني الجدي والحقيقي من قبل تيار المستقبل الذي يمارس «ازدواجية» فاضحة بين خطابه السياسي والواقع العملي الذي لم يتغير قيد انملة.
وتلفت تلك الاوساط، الى ان اكبر جريمة ترتكب اليوم هي ترك القوى المسلحة «عارية» في جرود عرسال والطلب منها مشاغلة المسلحين وعدم الحسم بانتظار الدعم الموعود على «اجنحة» المكرمة السعودية، فهل التعقل والتمهل ينسحب على المجموعات التكفيرية التي ستنتظر ان يصل الدعم الى المؤسسة العسكرية؟ واين هذا الدعم الذي يتقدم بسرعة «السلاحف» فيما المخاطر تكبر يوما بعد يوم؟ واذا كانت ثمة «حساسية» مفرطة تجاه ايران، هل يعرف اللبنانيون ان موسكو اعربت عن استعدادها لتزويد الجيش بما يتطلبه من عتاد واسلحة دون أي تأخير، لكن عندما وصل الكلام الى المردود المادي وكيفية دفع المستحقات للشركات الروسية «قطعت» الحكومة اللبنانية «يدها» وبدأت «بالشحادة»، لان من كلف بمهمة صرف الاموال السعودية لا يملك ولا يريد، وهو اصلا غير قادر على التحكم بكيفية صرفها. والخلاصة ان تسليح الجيش مبرمج وفق اجندة مختلفة عن حاجاته الملحة.
وتلفت تلك الاوساط، الى ان ثمة طريقة اخرى قابلة للتنفيذ وتعطي نتائج حاسمة لو كان «تيار المستقبل» جادا وحاسما في قرار التخلص من المجموعات التكفيرية، فببساطة شديدة ما يفعله حزب الله في سوريا يملك فعالية القيام به في لبنان وبكفاءة اعلى تنيجة عوامل لوجستية كثيرة، والتناغم الحاصل في قيادة العمليات بين الجيش السوري ومقاتلي الحزب حققت نتائج باهرة في جغرافيا واسعة وشديدة التعقيد، فما الذي يمنع حصول هذا التنسيق بين الحزب والمؤسسة العسكرية اللبنانية لخوض معركة حاسمة في عرسال وجرودها؟ الجواب واضح، «تيار المستقبل» الذي يرفض تأمين «الغطاء» السني لهذه المعركة الوطنية، والجميع يدرك ان تحفظ الحزب في الدخول مباشرة في المواجهة يعود الى «معضلة» الاستغلال المذهبي لهذه المعركة وهو الامر الذي لا يرغب «المستقبل» في المساعدة فيه، بل على العكس من ذلك فهو يعيد تكرار ما ارتكبه سابقا خلال معركة عبرا حين حاصر الجيش بسيل من الاسئلة التشكيكية التي زادت من الشرخ بين المؤسسة العسكرية والشارع السني. لكن هل من مبالغة في تحميل «المستقبل» المسؤولية؟ ولو تأمن «الغطاء» السني يمكن هزيمة «التكفيريين»؟
ما يحصل في العراق وسوريا كفيل بتقديم الاجابة عن هذا السؤال تضيف الاوساط فالقوة الرئيسية الدافعة لتنظيم «الدولة الاسلامية» تتمثل بأمرين رئيسيين الاول عدم خوضه حتى الان اي معركة جدية أو مواجهة قتالية يمكن تصنيفها في «علم القتال» انها معركة حقيقية، فكل معاركه في سوريا او العراق كانت تنتهي قبل ان تبدأ عبر بث موجة من الرعب تسبقه الى الجبهة التي كان المقاتلون يفرون منها قبل وصول المقاتلين التكفيريين، وفي معارك اخرى كانت هذه المجموعات تنتصر في مواجهة مواقع معزولة ومحاصرة ساقطة عسكريا، كما حصل مؤخرا في مطار الطبقة.
اما الامر الثاني تقول الاوساط فيرتبط بالبيئة الحاضنة، وهي اكثر العوامل تأثيرا في تحقيق «داعش» لانتصاراته، فحتى الان لم يسيطر «التنظيم» الا على مساحات واسعة تقطنها اغلبية سنية ولم يحقق اي انتصارات معتبرة خارج تلك المناطق، فهذا «التنظيم »لم يخوض حتى الان اي مواجهة جدية في مناطق الشيعة، وعندما تقدم باتجاه مناطق الاكراد تم وقف «زحفه» بالغارات الاميركية اما تهجير المسيحيين والايزيديين فقصة اخرى تؤكد اهمية «البيئة الحاضنة» التي ساهمت في تحقيق هذا «الانجاز» «الاستراتيجي» بالنسبة الى التنظيم.
ولذلك كما ان الدول العربية السنية تتحمل مسؤولية عدم المساعدة في هزيمة «داعش»، فانه بدون موقف سني قوي على الساحة اللبنانية لا يمكن النجاح في هذه المواجهة بحسب الاوساط نفسها، وهنا تكمن مسؤولية مباشرة يتحملها «تيار المستقبل» الذي لم يتبن حتى الان استراتيجية واضحة لمواجهة المتطرفين في ساحته قبل الساحات الموازية في الشارع السني، وهذا التردد نابع من غياب الارادة بسبب عدم الحسم السعودي، وكذلك الخوف من خسارة ما تبقى من شارع اصبح في مكان آخر، ومن هنا لا يزال تيار المستقبل يمارس «الانتهازية» السياسية من خلال الانتظار ومراقبة التحولات في التحالفات والمآلات في المنطقة ليبني على «الشيء مقتضاه» في الداخل اللبناني، ولكن هل يمكن ان تحتمل التطورات المتسارعة كل هذا التلكؤ في التصدي للمخاطر الجدية التي تحاصر الجميع؟
الجواب لا يحتاج الى الكثير من التفكير تقول الاوساط، والمجموعات التكفيرية لديها اجندة اخرى لا تحتمل «بلادة» الانتظار، واذا كانت المخاطر الاكثر وضوحا تترجم على ارض عرسال، فلا يجب ان يغيب عن بال احد ان ما لا يقل عن 5 لبنانيين نفذوا عمليات انتحارية في سوريا، فيما هناك ثلاثة في العراق، آخرهم هشام الحاج، ابن طرابلس الذي فجّر نفسه بسيارة مفخخة في بغداد الجديدة والان زادت الاجهزة الامنية اللبنانية درجة التأهب في صفوفها بعد اعلان «الدولة الاسلامية» عن هوية الانتحاري بعد ان حذرت اجهزة امنية غربية نظيرتها اللبنانية من احتمال بدء «الهجرة المعاكسة» للبنانيين المتورطين في دعم التنظيمات التكفيرية بعد ان تم التضييق على الانتحاريين العرب والاجانب ما زاد صعوبة دخولهم الى الاراضي اللبنانية، هذا فضلا عن الخطر الذي تشكله الخلايا «النائمة» الموجودة اصلا في المناطق اللبنانية.
اذاً ثمة معضلة «مفتاح» حلها لدى «التيار الازرق» تضيف الاوساط الذي «يكبل» الجميع برؤيته القاصرة في تقدير المخاطر الوطنية، فهو من جهة يتحكم بآلية تسليح الجيش ويقننها وفقا لحسابات حلفائه في الاقليم، ويرفع الجدران المذهبية في وجه اي حلول جانبية يمكن ان تجنب البلاد المخاطر المحدقة، والخلاصة ان تعامل «المستقبل» مع الوقائع يهدد بحصول حالة من «التذبذب» المذهبي في المؤسسة العسكرية، والمسيحيون في المناطق البعيدة عن نفوذ حزب الله خائفون على مصيرهم ويبحثون عن حلول ذاتية لتأمين حماية انفسهم، الحزب لن يبادر الى معركة تحمل ابعادا مذهبية، لكن لن تكون هناك اي ضمانات حول رد الفعل على ما يمكن ان تقوم به المجموعات التكفيرية، فمن ذهب الى سوريا لحماية لبنان لن يتوانى عن الدفاع عن الاراضي اللبنانية، ونموذج «التعاون «مع الجيش في السابع من ايار عام 2008 مرشح للتكرار على الحدود، فعندما تصبح النيران «داخل المنزل» لا اعتبار لاي «حفيف» مذهبي لن يكون لـ«سمه» اي فعالية. وامام هذه المعطيات هل من ضرورة للبحث عمن يمثل «الوجه» الآخر لـ«داعش»؟؟