هكذا يُشارك حزب الله في المواجهات الدائرة في غزّة فهل من داعٍ لفتح «جبهة الجنوب»؟ بصمات «خليّة فلسطين» كشفت «المستور» : التعاون بين المقاومة و«القسام» لم يتوقف «الموساد» غارق في «فكّ الألغاز».. ولهذه الأسباب يُدرك نصرالله حتميّة الانتصار..
لم يكن اتصال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله برئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل بداية لنهاية القطيعة بين المقاومة اللبنانية ونظيرتها الفلسطينية، كما ظن البعض، وانما يأتي هذا الاتصال تتويجا لمسار تكاملي لم ينقطع يوما بين حزب الله وكتائب القسام الجناح العسكري لحماس في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وقد جاء العدوان على غزة ليفتح «الباب» امام القيادة السياسية لحماس كي تجاهر علنا بما اعادت نسجه في «الكواليس» مع «حارة حريك» التي لم تخلط يوما بين الخيارات الخاطئة، وجنوح القيادة «الحمساوية» في الخارج وراء «سراب» الطموحات «الاخوانية» غير الواقعية، وبين الفعل المقاوم وهيكليته التنظيمية التي واصلت تعاونها مع «العسكر» في حزب الله وعبره مع ايران، وبشكل ادنى مع سوريا.
«الاعلان» المقصود عن فحوى هذا الاتصال، بالتوازي مع محادثة مماثلة بين السيد نصرالله والامين العام لحركة الجهاد الاسلامي رمضان عبدالله شلح، يهدف برأي اوساط متابعة لهذا الملف الى توجيه رسالتين متوازيتين الاولى لاسرائيل تفيد بأن محور المقاومة لن يدع المقاومة في غزة تسقط «وظهيرها» اللبناني ما يزال حاضرا لتقديم ما يجب تقديمه لانجاز الانتصار، والرسالة الثانية الى «جمهور» الطرفين المصاب بندوب موقف حماس من الحرب على سوريا، وما تبعه من فتور وصلت الى حد «العدائية» بين الطرفين، وهذا الامر تعرفه القيادتان ويدركه جيدا السيد نصرالله الذي اختار معالجة هذا الخلل عبر «جرعتين» الاولى «تذكيرية» والثانية ستكون «تأكيدية» وحاسمة يوم الجمعة المقبل خلال احياء مراسم يوم القدس العالمي.
لكن السؤال الذي طرحه الكثيرون عقب الاتصال، هو هل ينوي حزب الله فتح جبهة الجنوب لنصرة فلسطين؟ طبعا تقول الاوساط السيد نصرالله يمتلك كل المقومات والتبريرات الاخلاقية والدينية والقانونية لنصرة غزة عبر فتح الجبهة، لكن «عقل» حزب الله لا يعمل فقط انطلاقا من تلك المبررات، ودوما ما كان التوقيت حاسما في خيارات هذه القيادة التي لن تترك المقاومة الفلسطينية تنهار، ولكنها تدرك ايضا ان هذا الامر لن يحصل، لماذا؟ اولا لان هذا الجيل الجديد من المقاتلين في غزة جلّه تخرج من «مدرسة» الحزب القتالية، ويملك ما يكفي من الخبرات التي تؤهله في ادارة معركة طويلة الامد وعبر «تكتيكات» رفيعة المستوى قادرة على تحويل «احلام» اسرائيل بضرب المقاومة الى «كابوس» مؤلم.
ثانيا يعرف «المجلس الجهادي» في حزب الله جيدا حجم القدرة النارية الموجودة لدى فصائل المقاومة في غزة، «فخلية فلسطين» لم تتوقف يوما عن العمل، ودفق السلاح الى غزة لم يتوقف، وقد اكتشفت اسرائيل ومعها المخابرات المصرية ان كل الاجراءات التي اتخذت لمنع دخول الصواريخ الى غزة ، بعد ان غيّر «ضباط الارتباط» الميدانيون خططهم واوهموا كل «عين» مراقبة ان العدوان الكبير في 2012قد افرغ مخازن المقاومين من الصواريخ البعيدة المدى، ولم تعد المقاومة تملك الا جزءا يسيرا منها، وهذا ما ثبت انه مجرد عملية «تضليل».
اما البحث المضني لاجهزة الاستخبارات المتعددة اليوم تضيف الاوساط يدور حول معرفة الطريق البديل الذي سلكته قوافل الاسلحة التي كانت تهرب من سوريا ولبنان وإيران عبر السودان إلى مصر، وتحديدا سيناء، ومنها إلى قطاع غزة. هذا الطريق تم رصده، واعلنت اسرائيل اكثر من مرة عن توقيف بواخر اسلحة في عرض البحر متجهة الى القطاع على هذا « الخط» لكن ثمة سبل أخرى لإيصال «البضاعة» لم يجر حتى الان التعرف عليها، وان كانت بعض «الحيل» قد باتت معلومة وتم اكتشافها ولكن بعد فوات الاوان. وتلفت تلك الاوساط الى قصة «الانهيار» الكبير للحدود بين مصر وغزة عندما قامت حركة حماس باستخدام جرافات وفتحت ثغرات في الحاجز الحدودي نهاية شهر كانون الثاني 2008بعدها تدفق «الغزاويون باعداد كبيرة الى الاراضي المصرية التي كانت خارج اي سيطرة امنية بفعل الحشود الهائلة، وبعد اشهر ثمة من تكونت لديه رواية اخرى للحدث، تفيد بان هذا «الاقتحام» لم يكن الا تغطية بشرية لدخول اسلحة نوعية الى القطاع كانت قد وصلت الى شمال سيناء وتعذر دخولها عبر الانفاق، فكان ما كان، ودخل ما كان يجب ادخاله تحت «انظار» المصريين والاسرائيليين الذين ادركوا متأخرين انهم تعرضوا لخديعة كبرى.
وبحسب تلك الاوساط، فان فعالية الاجراءات الوقائية لدى المقاومة الفلسطينية، والتدريب العسكري العالي المستوى في لبنان وايران، مكن «الوحدة الخاصة» بالتخزين باجراء تمويه ناجح لمخازن الصواريخ وقد ادت الغارات الجوية الى تدمير مخازن «وهمية» ما أدى إلى الحفاظ على عدد لا بأس به من المخازن التي تُصَنّف تحت خانة «الاستراتيجي». يضاف الى ذلك ان «العقل» الامني «لخلية فلسطين» في حزب الله لم يتوقف عن حدود ايجاد السبل الامنة لايصال الصواريخ، وعندما طرحت احدى القيادات العسكرية الرفيعة في كتائب القسام السؤال عن الضمانات في استمرار تدفق هذه الصواريخ، وعن احتمال حصول تضييق اكبر يمنع وصولها، كانت الاجابة الفورية «لنصنّع الصواريخ في غزة»، وهكذا ارسلت حركتا حماس والجهاد الاسلامي عدداً من القيادات المؤهلة، خضعت لتدريبات مكثفة على عمليات التصنيع، بعد اشهر جرى تهريب المواد المطلوبة «بالقطعة» الى داخل القطاع، واليوم لدى المقاومين ما يحتاجونه من مواد اولية وخبرات كافية لانتاج ما يلزم لخوض مواجهة طويلة. لكن هل هذا يعني ان تدفق الصواريخ من الخارج قد توقف؟ طبعا لا جواب. لكن الفحص الاسرائيلي لبعض الصواريخ المتساقطة على المستعمرات يفيد بانه صنع خارج القطاع ولم تمر مدة طويلة على ادخاله. ولا يزال الموساد غارقاً في «متاهة»حل هذا اللغز.
اما معركة حي الشجاعية فلا تحتاج الى الكثير من الشرح تقول الاوساط لتلمس «بصمات» حزب الله القتالية هناك، فوفقا للرواية الاسرائيلية، «ما ان اعطى قائد القوة الاوامر ببدء الهجوم انطلقت مركبات عسكرية وجنود سيراً على الاقدام ضمن تشكيلات قتالية وهي تطلق النار في محور 180 درجة مستعينة بالمروحيات والطائرات الحربية والمدفعية الثقيلة. فجأة اصيبت احدى المدرعات بصاروخ مضاد للالغام وهي دبابة عادية وليست محصنة مثل دبابات الميركافا. داخل الدبابة يقتل على الفور سبعة جنود. تواصل القوة تقدمها تحت قنابل الاضاءة وهي تطلق النار في جميع الاتجاهات وتتقدم للسيطرة على المنازل. في تمام الساعة 1.30 تأتي الضربة الفتاكة الثانية حين يطلق صاروخ مضاد للدبابات نحو المنزل الذي شكل غرفة قيادة لكتيبة لواء غولاني. فوراً يصاب قائد الكتيبة بجروح خطرة ويقتل نائبه وضابط شعبة العلميات وجندي ثالث. القوة التي ارسلت لانقاذ المصابين كانت بقيادة العقيد عليان الذي اصطدم بالمقاتلين الفلسطينيين ، مما ادى الى اصابته بجراح متوسطة واضطراره لاخلاء المنطقة، اما التعليق على هذا الحدث فكان باجماع المعلقين الاسرائيليين ان معركة الشجاعية اعادت الى الاذهان معركة الكتيبة 51 من لواء غولاني في بنت جبيل في حرب تموز 2006. فقد نجحت «حماس» مثل «حزب الله» في مفاجأة القوات الإسرائيلية باساليب قتالية في منطقة مبنية بالصواريخ المتطورة المضادة للدبابات».
وازاء هذه المعطيات، يبدو السؤال حول امكانية تدخل حزب الله في الحرب الدائرة في غزة سؤالا «ساذجا» لان الحزب منخرط فعلا في هذه الحرب وهو جزء لا يتجزأ منها، وقد اثبتت الوقائع ان «اخوة» سامي شهاب لم يضيعوا وقتهم خلال السنوات الماضية، وعندما يقول السيد نصرالله انه سيقدم كل ما يلزم لدعم المقاومة الفلسطينية فهو يعني ما يقول، وحدها اسرائيل تدرك ذلك جيدا وتشعر بان «شبح» حزب الله يلاحق جنودها في غزة، وتدرك ان الهزيمة قد وقعت بمجرد عودة «البوصلة» في المنطقة الى فلسطين.