IMLebanon

هل بدأت نار العراق تلفح لبنان؟

التطورات الأمنية التي توزعت في عدد من المناطق اللبنانية لم تكن أحداثاً عابرة، وليست مصادفة أن تتقاطع كلّها على هدف واحد وفي توقيت واحد، إنما هي ترجمة عملية لعودة الكابوس الأمني ومطاردة اللبنانيين في حلّهم وترحالهم، وارتدادات متوقعة لانخراط مكوّن لبناني أساسي في الحريق المشتعل في محيط لبنان، أي في الحرب السورية، وانتقاله الآن الى مسرح الأحداث في العراق للأسباب نفسها التي أوجدها ليبرر تورطه في الدماء السورية.

لا شكّ في أن البعض سيسارع الى اعتبار أن ربط انخراط «حزب الله» في حروب المنطقة، هو تبرير للأعمال الإرهابية التي يشهدها لبنان، وتغطية للإرهابيين الذين يعيثون فساداً وقتلاً، ولا يفرقون بين منطقة وأخرى أو طائفة وأخرى، لكن بالتأكيد لا يمكن هؤلاء أن يدحضوا هذه الحقائق التي يصعب القفز فوقها أو نكرانها مرة جديدة.

مشاهد نيران التفجير الإرهابي الذي ضرب حاجز قوى الأمن الداخلي في ضهر البيدر، والمداهمات الأمنية في منطقة الحمراء وتوقيف أعضاء شبكة إرهابية في أحد الفنادق، وقطع طرق رئيسة وعزل مناطق حيوية في بيروت عن بعضها البعض، وتسارع الأخبار المتواترة عن توقيف إرهابي هنا ومطاردة سيارات مفخخة هناك، بغضّ النظر عن مدى صحتها، أعادت اللبنانيين الى دوامة الرعب والقلق، وجعلت الكثير منهم أمس، سجناء منازلهم وأماكن عملهم أو في سياراتهم في الطرق التي تطاردها المعلومات الأمنية حيناً والشائعات أحياناً أخرى. وهو ما كان الحال عليه قبل أربعة أشهر.

هذه الهواجس، لا بل الكوابيس التي عادت الى لبنان من البوابة الواسعة، لا تبددها الإجراءات الأمنية وحدها ولا المداهمات وتوقيف الخلايا الإرهابية على أهميتها وضرورتها، المطلوب قبل هذا وذاك أمن سياسي بالدرجة الأولى وأن يقتنع فريق محدد بأن انغماسه في المستنقع العراقي بعد السوري لن يجرّ على لبنان إلا الويلات، وأن العلاج الناجع لهذا الواقع لا يكون إلا بانسحاب «حزب الله» من أوحال المنطقة والتوقف عن جرّ نار الصراعات الطائفية والمذهبية الى الداخل، وأن يعود الى التسليم بحتمية النأي بلبنان عمّا يدور حوله، والتزام «إعلان بعبدا« قولاً وفعلاً لتعبر البلاد هذه المرحلة الأخطر في تاريخها بأقل قدر من الخسائر والأثمان.

هذه المستجدات لم تكن بالطبع وليدة الساعة، فبحسب مصدر أمني فإن «الأجهزة الأمنية ضاعفت في الأيام الأخيرة جهودها، واستبقت هذه التطورات بإجراءات احترازية اتخذتها منذ إعلان سيطرة تنظيم «داعش» على مدن كبرى في العراق، تحسباً لارتدادات هذا الحدث الخطير، وانفلاش الفلتان في دول المنطقة ومنها لبنان«. ويؤكد المصدر لـ»المستقبل» أن «الأجهزة الأمنية تعمل منذ أسبوع على رصد عناصر موجودة أصلاً في دائرة الشبهات، وخلايا يعتقد أنها إرهابية ووضعها تحت المجهر الأمني، وهو ما مكّن الأجهزة الأمنية، سواء مخابرات الجيش أو شعبة المعلومات أو الأمن العام من توقيف بعض الأشخاص في أوقات مختلفة، غير أن ذلك لا يعني أن كل الخلايا الإرهابية النائمة أو المنتظرة أو المتأهبة معروفة كلّها من قبل الدولة، هذا عدا عن الانتشار المكثف للجيش على الحدود مع سوريا وضبط المعابر غير الشرعية بشكل محكم، وإحباط أي عملية تسلل للمجموعات المتطرفة التي تتحصّن في الجرود التي تفصل بين لبنان وسوريا في البقاع، منذ سقوط منطقة القلمون في أيدي النظام السوري ومقاتلي «حزب الله» قبل ثلاثة أشهر تقريباً، والمراقبة المشددة في محيط بعض المخيمات الفلسطينية التي يعتقد أنها تحوي شبكات إرهابية، معروفة الانتماء والأهداف وحتى المخططات».

وإذا كانت تطورات الأمس غير مفاجئة من حيث خطورتها ودلالاتها، بالنظر الى التجربة التي عايشها اللبنانيون عبر مسلسل التفجيرات، بدءاً بتفجير بئر العبد في التاسع من تموز من العام الماضي وصولاً الى تفجير اللبوة في 17 آذار الماضي، لا يخفي المصدر الأمني أن «ما شهده لبنان (أمس) هو إحدى شظايا ما يجري في العراق، والسؤال المطروح اليوم كيف يمكن أن تتطور الأمور وما هي سبل المواجهة؟ هل تكفي الإجراءات الأمنية والعسكرية والخطط الوقائية؟ أم أن المطلوب خطط أخرى تواكب ما استجدّ وتقلل من الأخطار، إن لم يكن بالإمكان تدراكها كلياً ووضع حدّ لها؟«. في المحصّلة يبقى أن القراءة الموضوعية لما يجري تستوجب مقاربة مختلفة، منطلقها تحييد لبنان عمّا يجري وعدم الانخراط في حروب لا علاقة للبنانيين فيها، وتنتهي بخلق أجواء سياسية مؤاتية، والتخفيف من وتيرة التشنج الداخلي، وتضييق الهوة القائمة بين الأطراف السياسية المتصارعة في لبنان.