ليس الانخراط الاميركي المباشر في محادثات ثنائية مع طهران، هو الاول من نوعه على هذا المستوى منذ عقود، بعيداً من التحول التاريخي للسياسة الاميركية حيال الشرق الاوسط. وهذا التحول يمثل نهاية لفترة طويلة من الانتشار الاميركي العسكري في الخليج الذي تزايد رداً على الحرب الايرانية – العراقية والغزو العراقي للكويت، وبلغ مستويات غير مسبوقة مع الحملة على الارهاب التي أطلقها الرئيس الاميركي السابق جورج بوش. وإذ بدأ هذا الانعطاف نتيجة لاعتبارات أميركية داخلية، سياسية واقتصادية واجتماعية، يبدو أن موجة التغييرات التي بدأت عام 2011 والصراع على تبديل وجه المنطقة زادا اقتناع واشنطن به. فمع النزاع المحتدم على تعديل ميزان القوى، وانقسام القوى الاقليمية الرئيسية والحليفة لواشنطن حيال سبل اعادة الامن، ترتأي واشنطن تجنب الانجرار الى نزاع مدمر، في انتظار ان تعرف كيف ستنعكس هذه التطورات على مصالحها على المدى البعيد. ولا شك في أن دنو الولايات المتحدة من تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة شكل دفعاً اضافياً لها للمضي في استراتيجيتها الجديدة. وهذه السياسة الاميركية تثير تساؤلات كبيرة عن دور واشنطن في المنطقة. فهل تتنصل من تعهدها حفظ الاستقرار فيها، وكيف تحمي مصالحها الامنية على غرار مكافحة الارهاب وقت يشهد بعض الدول نمواً لجماعات معادية لها؟ بينما تناقش نخبة من الخبراء والمفكرين ورجال الاعلام والسياسة في الدوحة منذ ثلاثة أيام العلاقات الاميركية مع العالم العربي ضمن عدد من القضايا المحورية، في اطار منتدى أميركا والعالم الاسلامي، كان وفد أميركي برئاسة نائب وزير الخارجية وليم بيرنز يجري في جنيف محادثات مفاجئة مع وفد ايراني برئاسة نائب وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي سعياً الى تذليل العقبات أمام الاتفاق النووي المتوقع بين الجمهورية الاسلامية والغرب بحلول 20 تموز المقبل. ترمي المحادثات النووية التي كانت تجري في اطار مجموعة 5+1 بعدما بدأت سراً بين واشنطن وطهران في مسقط، الى وضع حد للطموحات النووية لايران في مقابل رفع العقوبات الدولية عنها. وبعدما تعثرت الجولة الأخيرة من المحادثات السداسية من احراز أي تقدم، في فيينا منتصف ايار الماضي، لم يتردد الاميركيون في الجلوس مع الايرانيين ثنائياً، وهو ما كانوا يرفضونه، على الأقل علناً حتى الآن.
يبدو الجانبان متحمسين لانهاء الازمة. لكن طهران ترى أن اتفاقاً مقبولاً هو الذي يعترف الغرب بموجبه بحقها في برنامج لتخصيب الاورانيوم. ومع أن واشنطن ترفض هذا الامر، فان السياسة الجديدة لواشنطن في المنطقة ترتبط بالدروس التي استخلصتها من حروب السنوات الاخيرة والتأُثيرات المفترضة للانتفاضات في العالم العربي على مصالحها. فهل تنتهي بها استراتيجيتها هذه الى الاعتراف بحق طهران في برنامج لتخصيب الاورانيوم؟.