حاولت بعض الجهات ضمن تحالف 8 آذار استغلالَ أحداث عرسال بغية النَيل من قوى 14 آذار على خلفية احتضانها النازحين السوريين، فيما الجيش، مدعوماً من كلّ الشعب اللبناني وتحديداً من هذه القوى، يُسَطّر البطولات دفاعاً عن لبنان واللبنانيين.
عندما طُرحت مسألة النزوح السوري على طاولة مجلس الوزراء، رفعَ البعض شعار «النأي بالنفس» عن الأزمة السورية، وإيجاد الحلّ المناسب لضبط الحدود المفتوحة أو إقفالها، وإنشاء مخيّمات تحت إشراف الدولة اللبنانية.
فيما اعتبرَ البعض الآخر أنّ شرعَنة مخيّمات اللاجئين السوريين في لبنان نوعٌ من التوطين، يؤدّي إلى فتنة لبنانيّة – سوريّة، بسبب العبء المتزايد للّجوء السوري إلى لبنان. فالمساعدات، بحسب هؤلاء، تصل مباشرةً إلى النازح السوري وتشجّعه على البقاء.
كانت قوى «14 آذار» من المطالبين الشرسِين باحتضان النازحين وفتحِ الأبواب أمامهم، لأنّه لا يجوز إقفال الباب في وجه الهارب من الموت، وتزامَن هذا الاعتراض من «14 آذار» مع عدم معالجة الحكومة السابقة لملفّ النازحين.
فكبرَ الملفّ ولم يتمّ الاعتراف بحجم المشكلة، وتلاشت الضغوط السياسية والدبلوماسية بالنسبة لعودتهم إلى سوريا، فتأمّنَت البيئة الحاضنة لمليون ونصف مليون نازح سوري تحت الشعارات الإنسانية، ونُظّمت المؤتمرات المحلّية والدولية للتعاطي مع قضية ذلك النزوح.
لكن بعد اجتياح عرسال من قِبل الإرهابيين تعرّضَت قوى «14 آذار» لهجوم، عندما تبيّن أنّ عدداً من المسلحين الذين يواجهون الجيش خرجوا من مخيّمات النازحين السوريين في عرسال وجوارها. وتضاربَت الآراء حول الأسباب التي أدّت إلى اشتعال النار في عرسال. فدان البعض هذه القوى لأنّها شجّعت النزوح، مستقطبين بذلك بؤَراً خصبة للإرهاب.
وفي هذا السياق، تعتبر أوساط 14 آذار أنّ «اتّهام الفريق الآخر خاطئٌ، لأنّ دعمَ النازحين كان ذا طابعٍ إنساني وأساسي لا يمكن الهروب منه، ولبنان ليس البلد الوحيد الذي استقبل لاجئين، وإنّما تركيا والأردن ودوَل أوروبية عدّة أيضاً»، مشدّدةً على أنّ «المشكلة تكمن في الفريق الذي كان متسلّماً زمام السلطة والحكومة».
وتؤكّد الأوساط أنّ «فريق 8 آذار الذي كان في الحكومة لسنتين ونصف هو المسؤول، إذ لم يُدِر النزوح وينظّمه، بل رفض تحت ستار أهداف سياسية واضحة إقامة مخيّمات سورية، مسترسلاً في التهويل بأنّها قد تصبح مشكلة شبيهة بالمشكلة الفلسطينية، من أجل خلقِ حالة طائفية وأمنية وسياسية داعمة للنظام السوري».
وتشير الأوساط إلى أنّ «الحدود تُركت من دون ضوابط لتسهيل عملية دخول وخروج «حزب الله» إلى سوريا من أجل القتال إلى جانب النظام السوري، ولاستقطاب عطفٍ دوليّ بأنّه يحارب الإرهاب».
وردّاً على مقولة إنّ «14 آذار» راهنَت على نجاح الثورة السورية لإجراء تغيير استراتيجي وكسبِ نقاط سياسية وإحراز انتصار سياسي يغيّر موازين القوى في المنطقة، اعتبرت الأوساط أنّها «لم تخسَر رهانَها على الثورة السورية لأنّها قائمة بغضّ النظر عن موقف 14 آذار»، لافتةً إلى أنّ «الثورة تتمثل بالائتلاف السوري وليس بداعش والنصرة وأحرار السنّة، التي هي خلايا نائمة خلّفَتها الأنظمة الديكتاتورية طيلة 5 عقود متتالية».
وتؤكّد أنّ « الخروج من أزمة عرسال وحسمها أمر طارئ لإبقاء الامور تحت السيطرة ولتفادي الويلات وعزلِ لبنان عن الصراع الخارجي»، مشيرةً إلى «ضرورة اعتماد نهج سياسي مخالف لـ»حزب الله» الموالي للنظام السوري من جهة، وانتشار الجيش اللبناني على الحدود مع سوريا لضبطها بمؤازرة قوات «اليونيفيل» حسب القرار 1701 من جهة أخرى».
وترى الأوساط أنّه «يتوجّب على الحكومة اللبنانية إقامة مراكز إيواء منظّمة ومنضبطة على الحدود اللبنانية – السورية لكي ينظّم وجود النازحين أمنياً واجتماعياً وإنمائياً، حتى يتمكّنوا من العودة قريباً جداً إلى ديارهم»، لافتةً إلى أنّ «الجماعات الارهابية تسرَح وتمرَح بلباسها المدني طالما النزوح غير منظّم».
ولفتت الأوساط إلى أنّ الانتخابات التي نظّمها النظام السوري لإعادة انتخاب رئيسه دلّت إلى وجود شريحة سوريّة واسعة للنظام، الأمر الذي يعني أنّ اللاجئين السوريين موزّعون بين الموالاة والمعارضة، فيما شكّلت مشاركتهم في تلك الانتخابات إحراجاً للبنان وخروجاً عن سياسة النأي بالنفس، لأنّ تعاطيَهم السياسي غير مسموح، كونه يجرّ إلى مواجهات سوريّة-سوريّة لبنانُ في غنى عنها.
وشدّدت الأوساط على أنّ ما حصل في عرسال مفصول تماماً عن قضية اللاجئين، ويتّصل بمجموعات إرهابية موجودة خارج البلدة، لا بل اعتدَت على أبناء هذه البلدة، وبالتالي من السهل جداً رميُ 8 آذار عجزَها أو رفضَها حلَّ قضية اللاجئين على غيرها، فيما هي تتحمّل مسؤولية الإخفاق في هذا الملفّ الذي تُرك على ما هو عليه عن سابق تصوُّر وتصميم، من أجل إبقاء ثغرات في الواقع اللبناني يمكن التذرّع بها لإحداث الفوضى وما شابه.
ويبقى السؤال: هل دخلت النارَ العراقية والسورية لبنانَ عبر بوّابة عرسال وسط الإصرار على الحسم الميداني للجيش الذي لن يرحمَ الإرهابيين؟ وما هي أهداف الإرهابيّين المسلحين من وراء احتلال عرسال؟ الأكيد أنّ الجيش اللبناني نجح بإسقاط المخطّط الرامي إلى نقلِ الحرب السوريّة إلى لبنان.