عشرات اللبنانيين وربما أكثر بكثير، يقبعون في السجون السعودية بلا تهم واضحة، لكن القاسم المشترك بينهم أنهم جنوبيون. أما أسرهم في لبنان، فتحاذر إثارة قضيتهم على المنابر أو في الاعلام خشية الحاق الأذى بأبنائها المعتقلين.
من هذه الأسر عائلة جنوبية ترزح تحت وطأة القلق وانتظار ابنها الذي لا تعرف عن مصيره شيئاً منذ أشهر عدة. شقيقه لا يرغب في إثارة قضيته في الإعلام حتى لا تكون النتائج سلبية.
القضية تعود إلى نحو عام، حين دهمت قوة من الأمن السعودي منزل الشقيق واقتادته معها من دون توضيح السبب أو الجهة التي سيأخذونه إليها. مذّاك لم تره أسرته. راجعت عائلته السلطات الأمنية للاستفسار عن تهمته، طالبة السماح بزيارته. رفض طلب الزيارة. أما بالنسبة إلى مكان وسبب توقيفه، فقد وعدت الأسرة بأخذ العلم عما قريب. يعتقد شقيق المعتقل أن الشكوى على المنابر قد تضر بمصالح مئات العائلات اللبنانية، وتعقد قضية شقيقه وتزيد من التعنت السعودي ضد اللبناني الذي غادر إلى السعودية منذ أكثر من عشرين عاماً. في البداية، حملت الأسرة قضيتها إلى السفارة اللبنانية في السعودية. ولما لم يأتها جواب، نقلت معركتها إلى لبنان. هنا، راجعت وزارة الخارجية والمغتربين. لاقت النتيجة ذاتها. جاء من يلفت نظرها إلى أن السلطات اللبنانية «لن تساعدها لأن السلطات السعودية وضعت خطاً أحمر حول الأمر، ولا تقبل حتى مراجعتها».
في رحلتها، اكتشفت الأسرة الجنوبية أن لها نظيرات في المعاناة واليأس. فمنذ أكثر من عام، لاقى جنوبي آخر المصير ذاته. لسبب غير واضح، اقتيد من منزله.
يفضل ذوو المعتقلين عدم الكشف عن أسمائهم خوفاً من ردود فعل سعودية سلبية
لأشهر طويلة، ظل مصيره مجهولاً إلى أن سمحت السلطات لزوجته وأطفاله، بزيارته في مكان اعتقاله في أحد المراكز الأمنية. كان الرجل ينهار رويداً رويداً، راجياً أسرته إنقاذه. بعد انتظارها غير المجدي للسفارة اللبنانية، تحركت لبنانياً على أكثر من صعيد. قصدت مراجع سياسية صديقة للسعودية. لم تحصل على جواب. فانتقلت إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي تواصل في هذا الشأن، على نحو مباشر، مع نظرائه السعوديين. لم يتلق إبراهيم رداً منهم. تحينت الأسرة عودة السفير السعودي علي عواض عسيري إلى لبنان مطلع أيار الماضي. قصدت رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي تلقى وعداً من العسيري لدى استقباله له، برد جواب حول التهمة المنسوبة إلى اللبناني المعتقل. الجواب لم يصل بعد. المحاولة الأخيرة كانت مع وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي وعدهم خيراً.
قبلهما، سقط جنوبي آخر في دوامة المجهول السعودي. أوقف لدى دخوله براً من الأردن إلى السعودية، التي يقيم ويعمل فيها مع عائلته منذ سنوات طويلة. جولة في بعض القرى، تكشف لائحة طويلة من المعتقلين والعائلات التي رحّلت على نحو مفاجئ، لكن الصمت سيد الموقف. يفضل ذوو المعتقلين والمرحلين عدم الكشف عن أسمائهم، خوفاً من ردود فعل سلبية من قبل السلطات السعودية، التي «مش شايفة حدا»، على حد تعبير إحدى العائلات.
نقمة تلك العائلات زادت بعد انكشاف أمر عدد من السعوديين الذين يخططون لتنفيذ عمليات إرهابية في لبنان. نقمة سبقها استغراب من تبرئة القضاء اللبناني مطلع الشهر الجاري لسعوديين شاركوا في معركة نهر البارد ضد الجيش اللبناني. حينها، أصدر عسيري بياناً عبر فيه عن سعادته «بتبرئة السعوديين المتهمين في أحداث نهر البارد، بعدما حاكمهم القضاء اللبناني غيابياً باعتبارهم فارين من وجه العدالة واسترداد مذكرات إلقاء القبض الصادرة بحقهم». ووعد بمتابعة تعجيل محاكمة الموقوفين، علماً أن القضاء برأ الموقوف عبد الله البيشي وأمر بترحيله إلى المملكة، لكن هل سيبقى صمت الدولة اللبنانية، أم تتابع قضية مواطنيها في السجون السعودية كما تفعل المملكة في لبنان؟ الجواب عند وزارة الخارجية والمغتربين.