صحّ الكثير من توقعات المراهنين على ان العلاقة بين الرابية وبيت الوسط لن تعمر طويلاً وانها ستنتهي بمجرد انتهاء الجولة الرئاسية بدون وصول عون الى قصر بعبدا، ولعل هذه التوقعات تأتي في اغلبها من جانب الصقور او التيار القوي قي المستقبل الذي راهن منذ اللقاء الباريسي بين عون والحريري على ان تعود الأمور الى نقطة الصفر في العلاقة. وبالفعل فان مبادرة عون الرئاسية والينابية كشفت الأوراق سريعاً وعرت التفاهم الذي نشأ قبل فترة بين المستقبل والتيار الوطني الحر من الأوراق التي كانت تستره. فما ان اطلق عون مبادرته حتى اندفعت اوساط المستقبل للتشويش على الطرح العوني واعباره كما جاء في بيان المستقبل انه انقلاب على الطائف والدستور.
بالنسبة الى العديد من المستقبليين فان الوضع بين الحريري وعون بات اليوم مختلفاً عن الأشهر الماضية، فالوضع اختلف بينهما كما تقول اوساط هؤلاء عندما اكتشف عون او تبلّغ بواسطة الوسطاء انه غير قادر على السير بخيار عون رئيساً بعدما اصبح الفيتو الداخلي عليه كبيراً، كما الفيتو السعودي وقرار المملكة بوضع حد لجموحه الرئاسي، وبعدما تبدى من معطيات اظهرت ان المعركة الرئاسية لا تسير كما تشتهي رياح السفن العونية، وهذا ما عززته زيارة جنبلاط الى باريس بعدما عاد الأخير بشبه جواب وتأكيد رسمي من الحريري بان عون لا يصلح رئيساً في المرحلة الراهنة.
بالنسبة الى العديد من المستقبليين، كارهي او منتقدي التقارب مع الرابية فان زلة اللسان لميشال عون في مقابلته التلفزيزنية حول استعداده لضمان أمن الحريري فيما لو كان رئيساً، كانت السبب الإضافي الذي سرَع في توتير الوضع مع الرابية، وقد اعاد تسليط الهجوم على الرابية بعدما كان الأقوياء والصقور في المستقبل التزموا سياسة ضبط النفس حيال ما يجري بين الحريري وعون لفترة خلت. وفيما بعد اتت المبادرة العونية لتصب الزيت على النار أكثر ولتطلق حملة الهجوم المستقبلية على عون، خصوصاً ان الحريري هو اكثر من خاض معركة القانون الأرثوذكسي ولا يمكن ان يقبل به تحت اي شكل من الاشكال ولا يمكن ان يقبل ايضاً لا بالطرح الرئاسي ولا النيابي لميشال عون.
ولعل عون كما يقول اقطاب في المستقبل اراد قلب الطاولة رأساً على عقب وعلى رؤوس الجميع بعدما ادرك استحالة حظوظه الرئاسية فاراد التعويض عن الخلل او الإحباط الذي اصابه من النكسة الرئاسية خصوصاً انه يعتبر نفسه الممثل الأول والشرعي للمسيحيين والأحق برئاسة الجمهورية وعلى قاعدة ان طرحه يحـرر الرئاسة من التبعية، وهو بالمؤكد بات غير آبه كما يرى هؤلاء برأي الآخرين بمواقفه وطروحاته التي اصابات الجميع بالصدمة في هذا التوقيت بالذات فيما البلاد قادمة على غزوة إرهاب داعش واخواتـها، وحتى ان طـرح الرابية كما تردد لم يعجب الصرح البطريركي ايضاً.
لكن هل يعني الطرح العوني ان الحوار بين الرابية والمستقبل بات غير موجود وهل اطاح الجنرال بتفـاهماته مع الحريري؟ يجيب العارفون في عمق العلاقة وتفاصيلها ان مفاوضات الحـريري وعون انتـجت تفاهمات حكومية وتعيينات وانعـكست استـقراراً في البلاد لم تشهده في السنوات الماضية، لكن هذا التوتير الحاصل حول الملف الرئاسي لا يعني بالضرورة العودة الى المربع الأول للعلاقـة بكل تشنـجاتها ومسـاوئها وتداعياتها على الأرض، فالطرفـان شريكان في الحكومة وهما امام تحديات اساسية، فوزراء المستقبل هم على تماس مع الوضع الأمني وفي قلب العاصفة الإرهابية التي لا تستثني احداً، وزعيم الرابية من جهته يدرك المخاوف والهواجس القادمة ولا يمكن ان يتغاضى وهو الذي كان قائداً للمؤسسة العسكرية عن الهفوات والأخطاء او الارتكابات السياسية في زمن التحولات والأرهاب القادم الى المنطقة، وبالتالي فان علاقة عون والحريري لا يمكن باي شكل من الاشكال ان تعود الى الموقع الأول الذي كانـت فيه فيـما لو عـاشت مبـادرة عون او لم يكتب لهـا الحياة وفيـما لو اصبـح عون رئيسـاً او قطـعـت طريـقـه الى قـصر بعبدا.