IMLebanon

هل تعويم نظام الأسد ممكن؟

سارع كل من روسيا وإيران و»حزب الله» إلى التمسك بنتيجة الانتخابات التي أفرج عنها نظام بشار الأسد، والتي تتضمن فوز الأخير بنسبة تقارب التسعين بالمئة من مجموع ثلاثة أرباع الذين يحق لهم التصويت في سورية، وبشهادة مندوبين من كوريا الشمالية وإيران وروسيا، واعتبار أمر الشرعية منتهياً، طالما أن الشعب السوري هو من قرّر، وتالياً فإن أي حل للأزمة لا بد أن يراعي هذا المتغيّر الجديد، ويجب أن يكون تحت سقفه.

أغلب القراءات لهذا الموقف السياسي أدرجه في إطار محاولة روسيا وإيران تقوية أوراقهما التفاوضية في ملفاتهما الإشكالية مع الغرب، مما يعني أن إيجابيتهما تجاه الملف السوري ستكون مرهونة بدرجة كبيرة بمدى تجاوب الغرب وإيجابيته في الملف الأوكراني بالنسبة إلى روسيا والملف النووي بالنسبة إلى إيران، وتميل الكثير من القراءات إلى ترجيح بيع أي من الطرفين الورقة السورية باعتبارها ورقة تكتيكية وليست إستراتيجية، واستتباعاً، فإنه ما على الأطراف الداعمة للثورة سوى انتظار هذا الحدث السعيد في أقرب وقت ممكن.

الوقائع تقول إن هذه الرؤية تحمل قدراً كبيراً من التضليل، وأكثر من ذلك، تنطوي على بعد تآمري يتخفى بلبوس ترشيق العلاقات الدولية عبر تظهيرها ببعد مصلحي يقوم على تبادلية الاعتماد المصلحي وإمكانية تصريف الخلافات بين الدول عبر العمليات التفاوضية، وليس انطلاقاً من رؤى أيديولوجية متحجرة، ترتكز على تعظيم دور الجغرافيا السياسية في العلاقات الدولية بما تعنيه من مد للنفوذ بواسطة القوة بما يفرض إعادة بناء معمار النظام الدولي برمته وإعادة تعريف تراتبيته وتعيين القوة الجديدة كقوة تقريرية.

ما يثبت تلك الحقيقة، أن طموح الدولتين ليس مقتصراً على الملفات التي يجري عرضها راهناً في سوق التفاوض الدولي، بل إن ثمة إستراتيجية واضحة، ظهرت تعبيراتها في أكثر من مكان، تهدف إلى بناء حقول تفاوضية متكاملة في مواجهة الغرب، عبر تكتيك ظاهري يقوم على التغذية المتواصلة بين تلك الحقول، ولكن بطريقة يشكل فيها كل ملف عامل قوة للملف الآخر، وليس عبر تكتيك التفضيل بين الملفات، بحيث تجري التضحية بملف من أجل تدعيم الملف الآخر، إذ يدرك الطرفان أن الدخول في هذا النمط التفاوضي سيعني حصول تراجع دراماتيكي في النهاية يؤدي إلى تقليص أوراق القوة وحرقها.

في الملف السوري، فإن محاولة تعويم بشار الأسد رئيساً لسورية، هي عملية متكاملة بذاتها، يراد منها مسح كل ما سبق الانتخابات من جرائم اقترفها النظام، بمساعدة كل من روسيا وإيران و»حزب الله»، وإحالة كل ذلك إلى النسيان، بل أكثر من ذلك تحويل الطاقة الإنسانية والقانونية التي تتضمنها الفترة الماضية إلى قوة جديدة بيد النظام وحلفائه باعتبارهم كانوا يعملون ضمن إطار الشرعية الوطنية وتحت سقف القانون الدولي، وبذلك لا يتم التخلص فقط من احتمالات تعرضهم للمساءلة القانونية، بل يصبح هذا الأمر ورقة قانونية ضد الغرب نفسه، وضد الثورة السورية بالتبعية.

على أن هذه العملية تتضمن بعداً مستقبلياً أيضاً، وهو استثمار هذه الواقعة لاستكمال ربط المشاريع الإستراتيجية للبلدين، والقائمة على ترسيخ نفوذهما وتواجدهما والعمل على استدامته وجعله معطى نهائياً في الواقع الدولي، ذلك أن تثبيت هذه الحالة يعني أن البلدين صارا جزءاً أساسياً من معادلات المنطقة، بل انه سيحولهما إلى الرأس المقرر في أمورها ما يستدعي تالياً تقوية دورهما في النظام الدولي ككل.

غير أن كل ذلك، وعلى رغم السلبية التي يظهر بها الموقف الغربي، إلا أن الصيغة التي تطرحها روسيا وإيران لا يبدو أنها تملك حظوظاً كبيرة للصرف في اللحظة الدولية الراهنة، ليس بسبب مبدئية الغرب ولا بسبب تمسكه بقيم وحقوق الإنسان، بل لأن هذا الطرح، إعادة تعويم نظام الأسد، لم يعد ممكناً التعامل معه من منطلقات سياسية تتركز على الواقعية بما تتضمنه من قبوله كأمر واقع، فالغرب تجاوز تلك العتبة منذ زمن بعيد وراكم الكثير من معوقات العودة إلى احتمالية تبني هذا الخيار، ولا يمكن البناء على موقفه من عدم استعمال القوة المباشرة ضد نظام الأسد والعمل على تطوير هذا الموقف إلى سياسات إيجابية تسمح للأسد بالانخراط في المجتمع الدولي وإن بسقوف متدنية. أبواب الغرب أقفلت نهائياً بوجه مثل تلك الإمكانية حتى أنه فقد مفاتيحها.

المسألة أصبحت ذات تشعبات وتشابكات كثيرة، بعضها أمني خطير يتعلق برفض الغرب مبدأ سياسة الأمر الواقع وعدم جعلها قاعدة يمكن تعميمها وبخاصة لجهة جهود روسيا في إضعاف أوروبا، ذلك أن دولاً أوروبية كثيرة تقع تحت العين الروسية وبخاصة دول البلطيق، وثمة مخاطر بعيدة المدى ذات علاقة باستقرار النظام الدولي نفسه وعدم السماح بالعبث بمرتكزاته، والأهم من ذلك إدراك العقلية الغربية لحقيقة طموحات القوى الصاعدة ورغبة الغرب في تقليل هوامش المناورة التي تملكها.

«انتخابات الأسد صفر» كما وصفها جون كيري، والواضح أنه قصد توضيح مدى قيمتها في أي إمكانية لتوظيفها قد يفكر فيها هو وحلفاؤه، فالوقائع المسلوقة لا يمكن لها التأسيس لمعطيات حقيقية. ما زال الأسد تحت خطر السقوط، ووصل حلفاؤه إلى درجة كبيرة من الاستنزاف. هذه وحدها هي المعطيات الحقيقية والمؤكدة.

* كاتب سوري