هل تفتح تعزية «الجنرال» «للحكيم» الباب أمام إنجاح مساعي بكركي؟ تقدّم «داعش» يُعيد خلط الأوراق
. واتجاه للتعايش مع الفراغ
يبدو ان الوضع اللبناني دخل مرحلة من التهدئة الإعلامية والسياسية ،بما يساعد على استئناف النقاش في أجواء أفضل من السابق في ترتيبات المرحلة الانتقالية،مع اتجاه الاهتمامات والأنظار الى الحدَث العراقي وما يمكن ان يتركه من انعكاسات على سائر أنحاء المنطقة ،لكونه يشكل انعكاسا لحال الاحتقان السني في دول المنطقة، وما يمكن ان يرتب من مخاطر قد لا تكون اي من الدول المجاورة في منأى عنها بما فيها لبنان.
انطلاقا من ذلك لا تستبعد مصادر سياسية بارزة ان تشكل التطورات العراقية عاملاً محركاً، يدفع الى تعبيد الطريق في اتجاه التوافق على انتخاب رئيس جمهورية،مستبعدة وجود اي تأثير مباشر لتمدد «داعش» على الوضع اللبناني المضبوط،رغم بعض المخاوف الخارجية من امكان تعرض الاستقرار الداخلي للاهتزاز نتيجة انفجار الاحتقان السني في العراق والانقلاب على الشيعة ومن خلفهم ايران، من بوابة التعبير عن الغضب او محاولة البعض استغلال هذا الواقع للتأثير في بعض الملفات، حيث الارضية جاهزة وعوامل التفجير حاضرة، دون ان يكون لذلك اي انعكاس بالضرورة على الازمات اللبنانية لا سيما منها استحقاق الانتخابات الرئاسية.
من هنا تؤكد المصادر عن مساع لتدوير الزوايا وسحب فتائل التفجير، تجنباً لمزيد من تداعيات الفراغ الرئاسي وأزمته المفتوحة من جهة والخوف من التداعيات الاقليمية الواسعة لما يجري في العراق من جهة اخرى، وهو الامر الذي يجري العمل على توظيفه في اتجاه إيجاد تسوية لملف سلسلة الرتب والرواتب والتوافق على آلية القرارات في مجلس الوزراء، وانسحاب المناخات الهادئة على موضوع جلسات التشريع لمجلس النواب، ما يعني تعويم التكيف الهادئ مع الفراغ الرئاسي والأفساح امام الجهود السياسية في ظل التسليم بان لا انتخاب وشيك اقله على مدى متوسط لرئيس جديد للجمهورية، لافتة في هذا السياق الى ان كلام البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي دعا عبره النواب الى الامتناع عن حضور الجلسات التشريعية ترك آثاراً سيئة على العلاقة برئيس مجلس النواب نبيه بري،الذي استقبل الاباتي انطوان خليفة موفدا من البطريرك لتوضيح بعض المسائل.
وفيما جمدت المؤسسات المارونية تحركها، تقول مصادر مسيحية في انتظار انتهاء خلوة السينودس ، لوضع خارطة طريق المرحلة المقبلة بالتنسيق مع الكاردينال الراعي ، انطلاقا من التطورات الدراماتيكية في العراق وضرورة الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية تحصينا للساحة الداخلية ضد اي تداعيات محتملة قد تخلّفها، وتطور المواقف في الداخل واقتناع الجميع بضرورة انتخاب رئيس توافقي، وباستحالة الاتيان برئيس من فريقي 8 او 14 آذار، او أي رئيس تحدّ استفزازي، على ما اشار اليه رئيس تيار المردة خلال زيارته رئيس تكتل التغيير والاصلاح، وتأكيد كافة القيادات الاسلامية انها تقف وراء «الصرح» والقوى المسيحية في ما يقررونه في الاستحقاق الرئاسي، تتجه الانظار خلال الساعات القادمة الى معراب التي ينتظر ان يزورها الجنرال لتقديم واجب العزاء بوفاة والد الحكيم، في خطوة قد تفتح الطريق، بحسب المصادر المسيحية امام انجاح مسعى البطريرك في عقد لقاءات بين القادة الموارنة، انطلاقا من موقف بكركي القائم على اسس ثلاثة : ضرورة ملء الفراغ وتحمل النواب والسياسيين اللبنانيين مسؤولياتهم في انجاز الاستحقاق وعدم التخلف عن حضور جلسات الانتخاب. مسؤولية القادة الموارنة الاربعة في تقليص أمد الفراغ واجراء الانتخابات، اقتناع الفرقاء بضرورة الاتفاق على مرشح وفاقي، انطلاقا من ان الصيغة اللبنانية توافقية، وهو ما عكسه اتفاق «الطائف» وحتى اتفاق «الدوحة» وما تبعه من انتخاب للرئيس ميشال سليمان، فالرئيس التوافقي هو المطلوب اليوم أيضا.
آمال نقضتها مصادر مقربة من شخصية مسيحية فاعلة، استبعدت تلبية الأقطاب المسيحيين أي دعوة جديدة يوجهها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي للاجتماع في بكركي، مؤكدة أنّ المعطيات الحالية لا تبدو مشجّعة في هذا المجال، مبدية تشاؤمها من قرب انتخاب رئيس جديد للجمهورية قريبا ،ذلك أنّ الملف بات مرتبطا كليا بالتطورات الاقليمية غير المشجعة حاليا، في ظل غياب عناصر التسوية الخارجية حول لبنان والتي يعيقها استمرار الصراع بين محور الممانعة الذي يمتد من طهران الى لبنان مرورا بالعراق وسورية من ناحية، وبين واشنطن من ناحية ثانية وتدرج دول عدة بينها السعودية في هذا السياق.
في غضون ذلك استمرت ترددات تصريحات الرئيس السوري الداعمة لوصول العماد عون الى بعبدا، والتي استتبعت بكشف الوزير السابق وئام وهاب من الرابية عن وجود تواصل دائم بين الاسد وعون، في الصالونات السياسية طارحة الكثير من علامات الاستفهام ، وسط عدم ارتياح واضح، ابدته مصادر متابعة لهذا الملف، آسفة لتفسير البعض للامر وفقا لارتباطاته الخارجية، داعية الى عدم اعطاء الموضوع اكثر من حجمه، متسائلة عما اذا كان حجم التأثير السوري ما زال قويا الى هذه الدرجة، رغم اقرارها بان الجنرال زار سوريا علنا ولا يخجل من طوي صفحة الماضي، خاصة انه من الداعين الى التوافق مع كل الاطراف في الداخل والخارج. في مقابل تأكيد مصادر في قوى الرابع عشر من آذار أن اعلان الاسد الواضح بدعم عون يعتبر تدخلا مكشوفا في الشأن اللبناني ويطرح الكثير من التساؤلات حول التوقيت والهدف، وعما اذا كان إسقاطاً لصفة التوافقية التي يدعي عون تجسيدها، أم هو دعم فعلي للضغط على حزب الله الذي لم يسم حتى الساعة الجنرال بعد وفي الوقت عينه سياسيا مع «المستقبل». ورأت المصادر ان الرابية حافظت على صمتها رافضة التعليق ، لأن الترحيب يحرجها مع «المستقبل»، فيما التنديد يحرجها مع حزب الله.
تتسارع الاحداث السياسية والامنية ،راسمة واقعا جديدا تتشابك فيه كل الملفات من داخلية واقليمية، معيدة رسم واقع سياسي متبدل غير واضح المعالم، يحول المهزوم الى منتصر والمنتصر الى مهزوم ،في ظل رسم خرائط جغرافية جديدة لاول مرة منذ ضم العراق للكويت عام 1990 .