هل ما يجري في المنطقة يؤكد ما حذر منه الرئيس نبيه بري في اجتماعات “اتحاد البرلمانات العربية والاسلامية” في جنيف (تشرين الاول 2013)، وهو “المخطط المستمر الهادف الى تمزيق العديد من الدول العربية وتقسيمها واغراقها في سفك الدماء والحروب الاهلية، وان الريح التي تعصف من المغرب العربي في ليبيا ومصر الى العراق وسوريا تجعل المنطقة في وضع خطير وتستوجب وقفة مسؤولة وحازمة في وجه هذا المخطط، وان هذا الوضع الخطير الذي يواجهنا كعرب شكّل فرصة لاسرائيل لكي تقتنص الحل الذي تريده لفلسطين”، مشيراً الى ما تنفذه اسرائيل في الاراضي الفلسطينية المحتلة والقدس والمسجد الاقصى، وركز الرئيس بري على خطر الارهاب والمجموعات الارهابية في غير دولة عربية وشرح الوضع في لبنان وتداعيات الازمة السورية عليه، لا سيما ما يتعلق بالصعوبات التي يواجهها حيال تدفق العدد الهائل من اللاجئين السوريين إليه. وكان قد حذّر قبل سنتين من مخطط لتقسيم سوريا وإغراقها في الفتنة.
الواقع إنّ ما حذّر منه الرئيس بري بالأمس تواجهه المنطقة اليوم، فهل من ضمير يستيقظ لتجنب الكارثة؟ فلا اتفاق على انتخاب رئيس للبنان تبدأ مع انتخابه إعادة تكوين السلطة وترسيخ الوحدة الوطنية والسلم الأهلي بتشكيل حكومة جامعة تعمل بانسجام وتعاون لما فيه مصلحة الوطن والمواطن وقادرة على صد كل الاخطار التي قد تعصف بلبنان وتحميه من تداعيات ما يجري حوله. وسوريا لا تزال تغرق في دماء أبنائها لعدم التوصل إلى حل سياسي ولا إلى حل عسكري يريحها ويريح جيرانها، وكأن المخطط الجهنمي الذي لا يعرف أحد من صنعه، وإن كان البعض ينسب صنعه إلى الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، يجري تنفيذه خطوة خطوة، ليس في سوريا فحسب بل في ليبيا والعراق واليمن، مع دخول المجموعات الارهابية لتخيير شعوبها بين الخراب والدمار أو إقامة دويلات مذهبية وعرقية يتألف منها الشرق الأوسط الجديد وتقوم فيها أنظمة فيديرالية كان قد لمّح وزير الخارجية الاميركي سابقا الكسندر هيغ إلى قيامها في أحد خطبه كوسيلة فضلى لتحقيق التعاون وتنظيم العلاقات بين هذه الدول. وعندها يصير في إمكان إسرائيل إقامة الدولة اليهودية إلى جانب الدولة الفلسطينية وإن لم تكن قابلة للحياة، وجعل لبنان سويسرا الشرق بموافقة عربية ودولية لأن تركيبته السياسية والمذهبية الدقيقة لا تسمح باستمرار استقراره السياسي والامني والاقتصادي إلا بالحياد الذي أطلقه الرئيس ميشال سليمان في اجتماع هيئة الحوار الوطني، ولم يكن إطلاقه من فراغ إنما من رؤية دول شقيقة وصديقة، لها مصلحة في أن يكون لبنان واحة سلام وأمن وأمان في المنطقة، لأنه أصغر من أن يقسَّم، وهو ما جعل الرئيس سليمان يكرّر القول: “إن إعلان بعبدا ليس ظرفياً، ومن يراه غير مهم سيجد فيه قيمة كبيرة مضافة للبنان قريبا”.
إن ما يشير إلى وجود مثل هذا المخطط هو أن الولايات المتحدة الأميركية أسقطت نظام صدام حسين في العراق ولم تقم نظاماً بديلا منه، وأسقطت الجيش ولم تقم جيشاً بديلا منه، وانسحبت من العراق تاركة فيه الفوضى والاقتتال الداخلي، ودخلت أخيراً المجموعات الارهابية إليه لكي يصبح العراق في حاجة إلى مساعدة خارجية لضرب هذه المجموعات أو التدخل لإقامة حكومة وفاقية وتوافقية حتى إذا ما تعذّر ذلك كان التقسيم على أساس فيديرالي. وتواجه سوريا ما سيواجهه العراق، أي حرباً طويلة يتعب منها الجميع بحيث يصبحون قابلين بحل الحكم الوفاقي والتوافقي أيضاً، وإلا كان التقسيم على أساس فيديرالي أيضاً.
وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد حذر خلال جلسات المنتدى الاقتصادي العالمي في اسطنبول (حزيران 2012) من تجاهل الازمة السورية، معتبرا انه “إذا اندلع الحريق في سوريا فسوف يعم المنطقة”، في حين رأى رئيس الوزراء الاردني فايز الطراونة ان الازمة في سوريا “تجسيد لحرب باردة بين الولايات المتحدة وروسيا”. ولفت وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو إلى الفشل الدولي في اتخاذ موقف موحد من الأزمة السورية، محمّلاً مجلس الامن المسؤولية اذ كان عليه فرض حل. وفي ليبيا اكتفى تدخل حلف شمال الاطلسي بإسقاط نظام معمر القذافي ولم يساعد على إقامة نظام بديل قوي”.
فهل يقوم تحالف عربي – دولي لضرب الارهاب توصلا الى حل سياسي، ام ان خريطة جديدة للمنطقة ترسم بديلا من خريطة سايكس – بيكو؟
وهل يحوّل النظام الدولي العالم العربي كيانات متصارعة ويتم تقسيمه تنفيذا لمشروع اسرائيلي لأن ضمان أمن اسرائيل يكون بتمزيق بلدان العالم العربي إلى كيانات ذات طابع اثني أو ديني؟ وهل المنطقة ذاهبة الى الفيديرالية أم إلى كومنولث؟!