إذا لم يكن في إمكان القادة التوصل الى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية لأسباب شتى، فهل في إمكانهم الاتفاق على انقاذ الجمهورية من تداعيات ما يجري في المنطقة كما توصل القادة في الماضي الى انقاذه من تداعيات حرب حزيران وابقائه بعيدا منها لأن الرئيس جمال عبد الناصر كان مع لبنان كدولة مساندة لا كدولة مواجهة كما يريدها بعض القادة في لبنان اليوم بفعل ارتباطهم مع الخارج؟
إن انقاذ لبنان مما يجري في المنطقة وتجنيبه التداعيات يكون “بتحييده عن الاشتباك الاقليمي والكف عن استخدام الوطن ورقة مناصرة او مناهضة للمحاور القائمة” كما جاء في بيان حزب الكتائب بعد اجتماعه الدوري الاخير واتخاذ هذا الموقف يتطلب قراراً يصدر عن الحكومة لتأكيد انها حكومة المصلحة الوطنية فعلاً لا قولاً، أو يدعو الرئيس بري هيئة الحوار للبحث في انقاذ الجمهورية اذا ظل متعذراً الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية لأن ثمة من يريد ربط ذلك بالتطورات المتسارعة في المنطقة وانتظار نتائجها كي يأتي انتخاب الرئيس على صورة هذه النتائج. عندها ينبغي ان تكون الاولوية لانقاذ الجمهورية والعمل بكل الوسائل لبلوغ هذه الغاية اذ ماذا ينفع الاتفاق على رئيس بعدما تكون الجمهورية زالت؟
لقد أبقى الرئيس عبد الناصر لبنان خارج الحرب مع اسرائيل لأنه ليس في وضع الدولة القادرة على التصدي والمواجهة، وقد أفاد لبنان كثيرا من هذا الموقف المصري سياسياً وامنياً واقتصادياً ومالياً اذ تحولت اموال كثيرة من دول عربية الى مصارف لبنان، فمن هي الدولة المستعدة لأن تعامل لبنان كما عاملها الرئيس المصري ليرد عنه تداعيات ما يجري في المنطقة؟ وهي اخطر من تلك الحرب مع اسرائيل لأن مجموعات ارهابية وحركات دينية اصولية وصراعات مذهبية تعصف بدول المنطقة فإذا لم تواجه بوحدة وطنية داخل كل دولة تجسدها حكومات تتمثل فيها كل القوى السياسية الاساسية فيها، فيخشى ان يكون ما يجري في المنطقة بداية حرب بين هلالين: الهلال السني والهلال الشيعي، وهي حرب كان العاهل الاردني قد حذر منها قبل سنتين. فهل تقع هذه الحرب وتقسّم المنطقة بين حلفين، حلف الهلال السني وحلف الهلال الشيعي؟ وهذا الانقسام اذا ما حصل فإنه يؤدي اكبر خدمة لاسرائيل اذ يجعل الحروب سجالاً بين هذين الحلفين او تقع حروب بين دويلات مذهبية وعرقية تنشأ في المنطقة.
لذلك فإن ما يهم لبنان واللبنانيين هو ان يستيقظ ضمير القادة ويرتفعوا الى مستوى المسؤولية ويضعوا خلافاتهم جانباً ويكون موقفهم واحداً انقاذاً للبنان، ولا انقاذ الا بتحييده عن كل ما يجري في المنطقة سواء كان هدفه التقسيم او قيام حلفين شيعي وسني جاهزين للتصادم في اي وقت.
لقد التقى المسيحيون والمسلمون السنة على المناداة بلبنان اولا سيداً حراً مستقلاً لأنهم جربوا الاستعانة بالخارج وندموا، فالمطلوب من “حزب الله” ان يكون له موقف صريح وواضح من تحييد لبنان. فهل توافق ايران التي هي اليوم بمثابة ما كانت فيه مصر زمن عبد الناصر على ان يبقى لبنان خارج صراعات المحاور في المنطقة، ام تريده ان يكون جزءاً منها، وعندها تنتقل هذه الصراعات الى قلب لبنان ويدفع اللبنانيون الثمن غالياً؟ لذا بات مطلوباً وبإلحاح معرفة موقف “حزب الله” ومن خلاله حقيقة موقف ايران.
وهل يلتقي الحزب مع القادة في لبنان على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم، على تحييد لبنان عن الصراعات المذهبية والسياسية في المنطقة كي لا يظل ساحة مفتوحة للفعل ورد الفعل لأنه لا يعقل ان يتدخل طرف في لبنان في حروب الآخرين من دون ان يتلقى ردا على ذلك داخل ارضه؟ واذا كان لهذا الطرف رأي مخالف فليجرب وقف تدخله في الحرب السورية وفي اي حرب اخرى في المنطقة حتى اذا تعرض لبنان بعد ذلك لهجمة “داعش” وغير داعش ومن دون اي سبب، يقف اللبنانيون عندئذ صفاً واحداً في التصدي لها.
ان دقة المرحلة وخطورتها تلقي على القادة في لبنان مسؤولية انقاذ الجمهورية من تداعيات ما يجري في المنطقة بتحييده واقامة حزام امن وامان على طول حدوده مع سوريا حتى اذا ما صار اتفاق على انقاذ الجمهورية يسهل الاتفاق عندئذ على رئيس يكون اهلا لمواجهة هذه المرحلة وتشكيل حكومة تجسد هذا الاتفاق. فأي موقف يكون لـ”حزب الله” بل اي موقف يكون لإيران، هل هي مع ابقاء لبنان بعيدا عن صراعات المحاور في المنطقة كما ابقته مصر عبد الناصر بعيدا عن حربها مع اسرائيل ام تريد زجه فيها ويُخشى ان يعود لبنان الكبير صغيراً؟…