IMLebanon

هل تنخرط روسيا ميدانياً في لعبة حماية الأقليات؟

وأخيراً حطّت شيوخ القبائل رحالها في موسكو، لتحلّ مكان الساسة السوريّين الذين انقطعت زياراتهم إلى العاصمة الروسية خلال الأشهر الماضية، بعدما كانوا زوّاراً شبه دائمين منذ بدء الأزمة في 15 آذار 2011.

لقاء شيوخ قبائل شمال شرق سوريا مع المبعوث الروسي الخاص الى الشرق الأوسط نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف يحمل دلالات مهمّة، على رغم أنّ بيان الخارجية الروسية الذي صدر عقب اللقاء لم يضِف جديداً على مراوحة المواقف الروسية، إذ أكّد أنّ «الأزمة في سوريا قد طالت ولا حلّ لها بالقوّة، إنّما السبيل الوحيد لتسويتها هو عبر الوسائل السياسية والديبلوماسية ومن خلال حوار شامل».

لجوء شيوخ قبائل المناطق السورية ذات الغالبية الكردية وبعض الأقليات الأخرى إلى موسكو في هذا التوقيت بالذات، يكشف مخاوف تلك العشائر من استنساخ «الدولة الإسلامية» السيناريو العراقيَ في مناطقهم، خصوصاً أنّ الأيام الماضية شهدت عملاً مماثلاً لمقاتلي «داعش»، حيث جرى الحديث عن إعدام المئات من أفراد عشيرة الشعيطات على رغم عدم انتمائها إلى الأقليّات، وهذا ما عزَّز مخاوف العشائر السورية ودفعَها في اتجاه موسكو طلباً للحماية،

في اعتبار أنّ الأميركيين أعلنوا مسؤولياتهم عن حماية الأقليات في العراق وباشروا عملياتهم العسكرية، في وقتٍ بدأ حلفاؤهم الفرنسيّون بتسليح قوات البشمركة الكردية من دون الالتفات الى التهديدات والمخاطر التي تحيط بالأقليات السورية جرّاء تمدّد تنظيم الدولة الإسلامية، خصوصاً أنّه في حال كثَّفَت الولايات المتحدة ضرباتها في العراق فإنّ مقاتلي «داعش» سيلجأون إلى الأراضي السورية، الأمر الذي يُعزّز فرَضية تكرار السيناريو العراقي بحقّ الأقليات هناك. فهل ستأخذ موسكو على عاتقها حمايتهم في سوريا؟

لا شكّ في أنّ المتابع للحراك الروسي يدرك أنّ موسكو لا تتسرَّع في اتّخاذ قرارات التدخّل العسكري على غرار واشنطن، وأنّها في الأساس كانت تعارض بشدّة التدخّل الغربي في أفغانستان والعراق، وأنّها أوقفَت تلك المحاولات في سوريا، لذلك ليس من السهل أبداً أن تتحوّل الإيديولوجية الروسية في هذا الشأن بين ليلة وضحاها بصرف النظر عن الأسباب والدوافع.

لكنّ شيوخ العشائر جاؤوا إلى موسكو متسلّحين بقرار من مجلس الأمن الدولي يندرج في خانة البند السابع، وقد تمَّ تبنّيه بالإجماع، ويقضي باتّخاذ إجراءات ضد تنظيمَي «داعش»و»النصرة»، في العراق وسوريا بهدف إضعافهما، ما يعني أنّ أيّ تحرّك عسكري روسي في سوريا يُحاكي التحرّك الاميركي في العراق سيحظى بمباركة أممية.

لكن يبقى السؤال: هل ستكسر موسكو قواعد سياستها الخارجية وتتَّخذ نهجاً مشابهاً للنهج الاميركي، علماً أنّها لم تنفكّ يوماً عن انتقاد ذلك النهج؟ بالطبع لا… فروسيا لم تقم تاريخياً بأيّ عمل عسكري على خريطة الدول العربية، الأمر الذي يجعلها في موقع المرحَّب به دائماً في كلّ الفضاء العربي، وهذا ما انعكس إيجاباً على حضور بعثاتها في كلّ الدول العربية، على عكس البعثات الاميركية والغربية التي تتعرّض بين الحين والآخر وفي أماكن متفرّقة لأعمال عدائية، ناهيك عن التظاهرات المندّدة والمتكررة أمام مباني السفارات الغربية في معظم العواصم العربية.

إذاً تدلّ كلّ المعطيات على أنّ روسيا لن تنخرط ميدانياً في لعبة حماية الأقلّيات، على رغم موقفها الواضح والصلب تجاه التنظيمات المتشدّدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكنّ ذلك لا يمنعها من توفير غطاء سياسي لحماية الأقليات، بصرفِ النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية.