«الحريريّون»: جعجع مرشّح وليس قدّيساً
هل تنطبق مواصفات التسوية على عون؟
يدرك المعنيون بمعركة الاستحقاق الرئاسي انها معقّدة، وتحتاج الى نَفَسٍ طويل وحسابات دقيقة، وان ما جرى حتى الآن هو مجرد فصل في رواية طويلة، الامر الذي يفسر حرص «اللاعبين المحترفين» على إخفاء او تمويه أوراقهم الحقيقية، خشية ان يؤدي استخدامها في التوقيت الخاطئ الى حرقها.
وإذا كان من حق هذا المرشح او ذاك ان يحلم بالرئاسة، لا سيما انه ما من «جمرك» على الحلم، كما على الحكي، فإن الاكيد ان الواقعية السياسية ستكون الناخب الاكبر في نهاية المطاف، لانها الوحيدة القادرة على جمع التناقضات المحلية والاقليمية والدولية حول رئيس واحد.. لـ«الجمهوريات» اللبنانية.
ولعل «تيار المستقبل» هو من أكثر المدركين لـ«قانون» الطبيعة اللبنانية، ولكون رئيس الجمهورية لا يأتي إلا بالتوافق، وإن كانت ضرورات التحالف مع سمير جعجع تستوجب «تفهم» «نزوته» الرئاسية ومجاملته سياسيا عبر دعم ترشيحه، خصوصا ان «الرسملة» على هذا الترشيح تتيح لـ«المستقبل» تحسين شروط تفاوضه على «الاسهم المحلية» في اسم الرئيس المقبل، متى حان أوان «المقاصّة» النهائية.
وفي هذا السياق، تؤكد شخصية بارزة في «المستقبل» ان «جعجع ليس قديسا بالتأكيد، وهو مرشح أول لـ14 آذار الى رئاسة الجمهورية، نال 48 صوتا.. ونقطة على السطر، وبالتالي يجب التعاطي معه ومع دعم المستقبل له على هذه القاعدة، من دون زيادة او نقصان».
وتعتبر هذه الشخصية المقربة من الرئيس سعد الحريري ان ترشيح جعجع ينبغي ان يُعطى حجمه الطبيعي، بلا مبالغات، معربة عن قناعتها بان انتخاب رئيس الجمهورية يتطلب توافقا محليا ـ اقليميا ـ دوليا، لا يزال غير واضح المعالم حتى الآن، والارجح انه لن ينضج بسرعة.
وبناء على ذلك، تتوقع الشخصية المذكورة ان تطول مرحلة الانتظار، الى ما بعد 25 أيار المقبل (موعد انتهاء المهلة الدستورية)، مشيرة الى ان المطلوب في هذا الوقت «ان نتولى تدبير أمورنا وإدارة ملفاتنا الداخلية بالتي هي أحسن، الى حين اكتمال شروط ولادة الرئيس المقبل».
ويلتقي المقربون من العماد ميشال عون مع المصدر البارز في «المستقبل» عند التشديد على «إلزامية» التوافق، للوصول الى انتخاب رئيس جديد، لكن مع إضافة برتقالية حاسمة، وهي ان التوافق يجب ان يتم حصرا حول عون.. وإلا لا جلسة انتخابية مكتملة.
وعليه، تتوقع مصادر في «تكتل التغيير والاصلاح» ان تتأجل جلسات الانتخاب من موعد الى آخر، حتى يكتمل نصاب التسوية حول الجنرال، معتبرة ان فرص تحقيق مثل هذه التسوية متوافرة، برغم محاولات البعض التقليل من شأنها.
وترى تلك المصادر ان موازين القوى في المنطقة عموما وسوريا خصوصا، تحتم على الولايات المتحدة الاميركية والسعودية التعاطي بواقعية مع الاستحقاق الرئاسي اللبناني، مشيرة الى ان هناك خطا يربح وآخر يتراجع في الإقليم، ولا بد من ان تنعكس هذه الحقيقة على معادلة رئاسة الجمهورية.
وتلفت هذه المصادر الانتباه الى ان طرح اسم عون كخيار توافقي ينطلق من قابلية الرياض وواشنطن للتحاور والتفاهم معه، وهو الامر الذي يتعذر حصوله مع «حزب الله» مباشرة، وبالتالي فان الجنرال يمكن ان يكون نقطة تقاطع بين محورين، وهي وظيفة لا يستطيع ان يؤديها اي من مرشحي «14 آذار» او من المرشحين التوافقيين المطروحين في التداول، لان أحدا منهم لا يملك الرصيد الذي يملكه عون لدى الحزب.
والى جانب الطابقين، الاقليمي والدولي، للتسوية الرئاسية المفترضة، تشير المصادر الى ان هناك طابقا لبنانيا ضروريا، لا يمكن ان يكتمل بناؤه من دون ميشال عون وسعد الحريري معا، لان تحصين اي تفاهم على موقع الرئاسة يجب ان يستند الى توازن بين «8 و14 آذار».
وتشرح المصادر البرتقالية نظريتها كالآتي: لا يصح على سبيل المثال ان تكون رئاسة الجمهورية لسمير جعجع ورئاسة الحكومة لسعد الحريري او لأي شخصية أخرى يسميها الأخير، لان ذلك سيؤدي الى اختلال فادح في تركيبة السلطة من شأنه ان يهدد الاستقرار اللبناني، وبالتالي فان ثنائية «عون في القصر» و«الحريري في السرايا» هي وحدها القادرة على صناعة التوازن المنتج لا المعطل، وزعيم «التيار الوطني الحر» متمسك بهذه الثنائية، بل يصر على دور الحريري فيها بقدر إصراره على دوره هو، لا سيما ان التجارب أظهرت ان رئيس تيار «المستقبل» لا يزال الاقوى في الشارع السني، والتجربة مع الرئيس نجيب ميقاتي كرست هذه الحقيقة ولم تعدلها.