IMLebanon

هل توقظ أحداث العراق ضمائر الزعماء فيبادروا إلى انتخاب رئيس للجمهورية؟

تساءل النائب سليمان فرنجيه: لماذا يكون للشيعة رجل قوي رئيساً لمجلس النواب وللسنّة رئيس قوي للحكومة ولا يكون للموارنة رئيس قوي للجمهورية بل رئيس ضعيف لا لون له ولا طعم ولا رائحة بحيث يكون الفراغ أفضل من رئيس كهذا… لكن النائب فرنجيه لم يتساءل عن أسباب ذلك وهي معروفة. فالشيعة اتفقوا على أن يكون نبيه بري رئيسا لمجلس النواب، واتفق السنة على ان يكون فؤاد السنيورة وبعده سعد الحريري رئيسا للحكومة. أما الموارنة فلم يتفقوا لا على رئيس قوي للجمهورية كي ينتخبه شريكهم المسلم ولا على حضور جلسات الانتخاب لتأمين النصاب فلا يبقى أعلى منصب ماروني في الدولة شاغراً، إنما اختلفوا على اختيار واحد قوي منهم وحتى على مرشح ماروني مستقل يصبح قوياً عندما يتفقون عليه ويقفون الى جانبه.

إن الاقطاب الموارنة، وبكل أسف، لم يستمعوا إلى رسالة الرئيس ميشال سليمان الى مجلس النواب وفيها: “ان انتخاب رئيس للجمهورية في بعده الدستوري يشكل قضية وطنية سامية وان الخلو في هذا الموقع سيطال في مفاعيله جوهر العقد الميثاقي الوطني، وللميثاق ارجحية معنوية على كل القوانين، وان عدم اكتمال نصاب الجلسات المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية قد ينعكس على دور المجلس في تمثيل الارادة الشعبية ومساً بالمصلحة العامة وبالشراكة الميثاقية الوطنية، وان المصلحة توجب التئام المجلس ومتابعة العمليات الانتخابية المتتالية، إذا اقتضى الامر، حتى التوصل الى انتخاب الرئيس الجديد قبل انتهاء الجلسة”، ولا استمعوا الى البطريرك الكاردينال الراعي الذي طالب النواب بأن يحترموا الدستور الذي يلزمهم انتخاب رئيس ضمن المهلة الدستورية، والذي ينص على انه اذا شغرت سدة الرئاسة لأي سبب فإن مجلس النواب يجتمع فورا وينتخب رئيسا، ولا اهتموا لقول سيد بكركي “ان الرئاسة الاولى تعطي الشرعية للمجلس النيابي وللحكومة وللمؤسسات ولا احد أعلى منها او يحل محلها وأمام استحقاقها تسقط كل الاعتبارات، ومن لا يفعل ذلك يلحقه العار”. لكن النواب المقاطعين جلسات انتخاب رئيس للجمهورية سمعوا كلمة خارج يريد لغاية في النفس إحداث فراغ في سدة الرئاسة قد يمتد ليحدث فراغا حكوميا ومجلسيا، وعندئذ يكون لهذا الخارج يد في صنع رئيس للبنان يكون تابعا له ويحقق مصالحه، وهو ما لم يفعله نواب في الماضي وإلا لما كان المجلس انتخب سليمان فرنجيه رئيسا او منافسه الياس سركيس لو ان كل طرف عمد الى تعطيل النصاب إذا لم يضمن سلفا فوز من يريد…

والغريب في كل ذلك ان يبقى ثمة أقطاب موارنة يتساءلون لماذا لا ينتخب رئيس قوي للجمهورية كما للشيعة والسنة، فكيف يكون ذلك وهم متفرقون ومتناحرون ومتخاصمون؟ فالرئيس الماروني القوي كان في الاربعينات والخمسينات والستينات بقوة الصلاحيات الواسعة التي كان يتمتع بها، وبعد ذلك كان قويا ليس بقوته الذاتية إنما بقوة مستعارة هي قوة الوصاية السورية، فلم يكن خلالها حاكما بل محكوما… وبعد عام 2005 الذي انتهت فيه هذه الوصاية، مارست قوى 8 آذار حليفة سوريا سياسة التعطيل إذا لم يأت قانون الانتخاب بأكثرية نيابية لها وإذا لم تكن الحكومة حكومة “وحدة وطنية” وتتمثل فيها بالثلث المعطل لكل قرار غير مقبول منها، واليوم تعطل جلسات انتخاب رئيس للجمهورية اذا لم يكن مقبولا منها.

الواقع ان الرئيس الماروني عندما كان حاكما بقوة صلاحياته قال الطرف الآخر ان لبنان محكوم بـ”المارونية السياسية”، وعندما خضع لبنان للوصاية السورية صار رئيس الجمهورية محكوما من هذه الوصاية، وبعد انتهاء هذه الوصاية لم يعد في استطاعة رئيس الجمهورية ان يكون حاكما بل حكم لضعف صلاحياته، حتى انه اذا حكم في الخلافات بين الزعماء اللبنانيين عليه ان يحرص في حكمه على التوازنات الداخلية والا اتهم بالانحياز وأصبح حكما غير عادل.

هذا هو وضع الموارنة في لبنان، اذ بات على الرئيس الماروني في ظل الصراعات المذهبية وتراجع المشاعر الوطنية ان يتحول رئيسا يملك ولا يحكم. وما زاد في طين هذا الوضع بلة هو ان الموارنة استطاعوا عندما كانوا متوحدين وقف المد الناصري حين شعروا بخطر يهدد كيان لبنان ويذيبه في كيانات اخرى، واستطاعوا بتوحدهم التصدي للاجئين الفلسطينيين المسلحين عندما اعتدوا على سيادة لبنان وسلطة الدولة. اما اليوم فإن الموارنة بعدما خسروا قوة العدد وقوة الصلاحيات خسروا دورهم الفاعل ايضا لأنهم فقدوا صلاحيات الرئاسة الاولى التي تمكنهم من الحسم، وفقدوا قوة العدد وانقسموا على انفسهم عوض ان يتوحدوا ليجعلوا من وحدتهم قوة. ففي الماضي كانوا قادة للمعارضة وقادة للموالاة، وبانقسامهم صاروا اليوم مفككين ففقدوا كل دور لهم في الانتخابات النيابية وفي تشكيل الحكومات وفي الانتخابات الرئاسية التي تعنيهم قبل غيرهم ووقوفهم ضد كل محور يهدد كيان لبنان او يمس بسيادته وحريته ولا ينقسمون كما هم اليوم بين هذا المحور أو ذاك فيزدادون ضعفا وتشتتا ويصيرون تابعين لا متبوعين ومنقادين بعدما كانوا يقودون.

فما الذي يستطيعه البطريرك الكاردينال الراعي مع وضع محزن كهذا للموارنة سواء اجتمع بهم فرادى او جماعات الا اذا تنبهوا لخطر الاصولية والارهاب الزاحف من المنطقة، واستيقظ ضميرهم وتركوا خلافاتهم جانبا واتفقوا على انتخاب رئيس؟