IMLebanon

هل تُجهَض الانتخابات النيابية قبل أن تولد؟

لا يزال الطرح الذي تقدم به رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون حول ضرورة إجراء الانتخابات النيابية قبل الرئاسية يلاقي رفضاً، ولا سيما من جانب قوى مسيحية ترى أن الاقتراح مات قبل أن يولد

أبدى ديبلوماسي أوروبي معني بالشأن اللبناني استغرابه الشديد، في معرض حديثه مع أحد الوزراء الفاعلين من قوى 8 آذار، إصرار رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في هذه الظروف التي يمر بها لبنان. ووصف هذه الخطوة بأنها خارج المنطق السياسي للتطورات الحالية، التي تفترض أن يركز جميع الأفرقاء اللبنانيين جهودهم لإجراء انتخابات رئاسة الجمهورية قبل أي عمل آخر.

يعبّر استهجان السفير الاوروبي، وهو الآتي من بلد ديموقراطي ومعني بإجراء الانتخابات البرلمانية وتداول السلطات، عن حال الوسط الديبلوماسي الذي يتعاطى بجدية مع الوضع الداخلي، بعيداً عن رغبات السياسيين اللبنانيين.

الديبلوماسيون

يتابعون حيثيات

اللاجئين وتطور أوضاعهم الامنية

فاهتمامات الديبلوماسيين وحتى زوار لبنان في الوقت الضائع حالياً تتركز على أولويتين لا ثالث لهما:

أولاً، الوضع الأمني والاستقرار. ويأخذ هذا العنوان مع كل تطور إقليمي أهمية كبرى، وخصوصاً للدوائر الامنية والعسكرية الغربية التي تتواصل دورياً مع الاجهزة اللبنانية. وليس غريباً أن يثير وضع اللاجئين السوريين وتطورات الوضع العراقي أسئلة إضافية في الايام الاخيرة حول مدى تأثير هذين الملفين على الوضع الداخلي، وخصوصاً في ظل الاجراءات التي اتخذها الجيش اللبناني في أكثر من نقطة حساسة، وفي ضوء معلومات أمنية وهواجس حول ارتفاع منسوب الخطر الامني. ويخطئ من يعتقد أن ملف اللاجئين السوريين ليس ملفاً أمنياً تكبر خطورته يومياً، في وقت تنصرف فيه القوى السياسية عنه وتتعاطى معه كنوع من البازار لا أكثر ولا أقل، في حين أن الديبلوماسيين المعنيين يتابعون كل ما يتعلق بحيثيات اللاجئين وتطور أوضاعهم الامنية.

ثانياً، انتخابات رئاسة الجمهورية. فبقدر ما يشكل الاستقرار عاملاً ضاغطاً من أجل حماية الوضع اللبناني، يصبح إجراء الانتخابات الرئاسية أولوية. من هنا تتابع الاوساط الديبلوماسية ما يجري من اتصالات محلية وإقليمية لحثّ اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهورية في وقت سريع، قبل أن تضغط الأولويات الأمنية في لبنان والمنطقة، وتصبح سبباً في تعثر التفاهم حول الرئيس العتيد، لأن أي تصعيد مفاجئ كما حصل مع تمدد «داعش» في العراق، من شأنه أن يعيد ترتيب ملفات المنطقة، فلا يعود لبنان وانتخابات الرئاسة فيه من ضمن أولويات عواصم القرار الاقليمية.

وفق هذا الترتيب، لا تمثل الانتخابات النيابية أولوية إلا بالنسبة الى من طرحها. وتبعاً لذلك، لا يعتقد سياسيون معنيون أن الدعوة اليها يمكن أن تلاقي ترحيباً غربياً، لا من واشنطن ولا من باريس، ولا حتى من إيران والسعودية، أو أي رغبة في تعويم هذا الطرح والدفع به على غرار ما كان يحصل مع أي استحقاق انتخابي نيابي، وخصوصاً أن أكثرية القوى السياسية المحلية، بمن في ذلك أطراف أساسيون في قوى 8 آذار، لا ترى موجباً لإجراء الانتخابات النيابية في هذه المرحلة الحساسة.

فالمعركة اليوم على حد قول سياسيين مسيحيين من رافضي فكرة الانتخابات النيابية راهناً تكمن في وجوب حصر الاهتمام اللبناني عموماً، والمسيحي خصوصاً، بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، لأن أي تشتيت لعناصر القوة حالياً التي تمثلها فداحة الشغور الرئاسي يمكن أن يرتد على المسيحيين أولاً وآخراً. وبكركي تمثل ولا تزال رأس حربة في الدفاع عن ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية فقط لا غير. واستياء الصرح البطريركي، بطريركاً ودوائر تعتبر تقليدياً قريبة من عون، بلغ حداً غير مسبوق، منذ أن تسلم البطريرك مار بشارة بطرس الراعي السدة البطريركية، ولا سيما بعد اللقاء الاخير الذي جمع الراعي بعون، وتسربت النقاشات الحادة بينهما. وبكركي بكل أطيافها لا ترى موجباً لانتخابات نيابية تضيع البوصلة وتغرق المسيحيين في معارك جانبية لا تصب ضرورة في النهاية في مصلحة إجراء انتخابات رئاسية.

هناك ثلاثة أسئلة مطروحة على داعمي إجراء الانتخابات النيابية، وسط تأكيدات أن عون سيركز في الاسابيع المقبلة على حشد التأييد لفكرته: من هو الطرف الإقليمي والدولي الذي سيغطي هذه الانتخابات، في وقت غضّ فيه المجتمع الدولي الطرف عن تمديد القوى السياسية ولاية المجلس النيابي حين لاح في الافق احتمال عدم إجراء انتخابات نيابية، في حين لم تسر هذه القوى بالتمديد لرئيس الجمهورية ميشال سليمان رغم أنه لاح قبل أشهر شبح الشغور الرئاسي؟ وهل هذه القوى التي مدّدت لنفسها ستسير بالانتخابات لمصلحة عون وحده؟

وبعيداً عن أزمة قانون الانتخاب التي ستجرى على أساسه الانتخابات، أو حتى عن النتائج المسبقة التي يبالغ البعض في تقديرها، من الذي يضمن أن الانتخابات الرئاسية ستحصل حتى لو جرت الانتخابات النيابية ومهما كانت حصيلتها، ما دامت المواعيد الدستورية لم تحترم من الاصل؟

ثالثاً، وهي النقطة التي تلاقي الاستغراب المسيحي، والتي تكمن في مرحلة ما بعد الانتخابات إذا ما حصلت، في ظل الشغور الرئاسي وتقديم الحكومة الحالية استقالتها بطبيعة الحال، ولا سيما بعد كلام عون الاخير حول هذه النقطة. فمن يشكل الحكومة الجديدة عقب الانتخابات، ومن الذي يدير الاستشارات النيابية؟ ومن هو المخوّل توقيع مراسيم قبول استقالة الحكومة الحالية وتكليف رئيس جديد للحكومة ثم إصدار مرسوم تأليف حكومته؟

لكن السؤال الأكثر أهمية هو: هل الطرف الذي يريد تقييد عمل الحكومة الحالية ويضع ضوابط لها، ويحاول تقنين عمل المجلس النيابي، لمصلحة «الحفاظ على صلاحيات رئيس الجمهورية»، يجعل فجأة الحكومة «المستقيلة» تحل محل رئيس الجمهورية في المشاورات الحكومية لتكليف رئيس الحكومة العتيد؟